التوحيد وأثره في واقع الأمة

بسم الله الرحمن الرحيم

التوحيد وأثره في واقع الأمة

عباد الله : في يوم من الأيام سأل أحد الصحابة - وهو سفيان بن عبد الله - رسول الله فقال : يا رسول الله ! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك فقال صلى الله عليه وسلم : «قل: آمنت بالله، ثم استقم» عباد الله : إن الاستقامة على الطاعة ، بامتثال الأوامر ، واجتناب النواهي والزواجر ، هي صفات عباد الله المؤمنين، ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فهنيئًا للذين أطاعوا ربهم، وأخلصوا العمل لخالقهم، فجعلوا الاستقامة شعارهم، وصالح الأعمال غايتهم . قيل للإمام أحمد رحمه الله: متى الراحة؟ قال: عند وضع أول قدم في الجنة . في استدامة الطاعة ، وامتداد زمانها ، نعيم للصالحين، وقرة عيون للمؤمنين، وتحقيق آمال للمحسنين «خير الناس من طال عمره وحسن عمله»

العاصي في شقاء، فالخطيئة تذل الإنسان، وتخرس اللسان، وأقبح بالذنب بعد الطاعة، والبعد عن المولى بعد القرب منه .

عباد الله : إن قضية القضايا وأصل الأصول كلمة التوحيد، وشعار الإسلام وعلم الملة ، لا إله إلا الله ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ التوحيد لباب الرسالات السماوية ، و عمود الإسلام وشعاره ، و وسيلة كل نجاح، وشفيع كل فلاح، يُصيِّر الحقير شريفاً، والوضيع غِطريفا، يطوِّل القصير، ويقدم الأخير، ويُعلي النازل، ويُشهر الخامل، صفاء المعتقد هو أساس الفضائل ، ولجام الرذائل، يُحتِّم على أهله العملَ به ، والدعوةَ إليه ، والصبرَ على الأذى فيه . ألا وإن معظم الشرور والنكبات ، التي أصابت أمة الإسلام، وأشدَ البلايا التي حلت بها ، إنما كانت بسبب ضعف التوحيد في النفوس، وتنحيته عن الميدان .

عباد الله : أمة شرَّفها الله بالإسلام فكيف ترضى بغيره بديلاً، كيف يحلو لها أن تتخلف عن السير تحت لوائه، وترضى أن تقاد ذليلة تحت ألوية جاهلية، و دعوات عنصرية ، وانتماءات حزبية . لقد جرب المسلمون في هذه الأعصار ، وفي كثير من الأمصار ، مناهج ومشارب، و مسالك ومذاهب ، فلم يصلح لهم منها سبيل ، لا طريق إلا صراط الله، ولا هدي إلا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نهج إلا نهج سلف الأمة . ألم تستبن الأمة بعد طول هذه المعاناة ، أن التخلي عن دينها هو الدمار، وهو قرة عين الاستعمار ، إن جميع الحروب المعلنة على المسلمين ساخنها وباردها، عسكريِّها وفكريِّها ، كلها باسم الدين، ولا يكون الانتصار عليها إلا بتجريد التوحيد . إن يستقم توحيد الأمة؛ تنتصر على عدوها، وتعلُ كلمتها، وتُحرَسْ نعمتها، وتدُمْ عزّتها، وتشتدّ قدرتها، وتزددْ قوتها، وإن لم تقمْ الأمة بذلك فهي على خطر أن ينالها وعيد الله ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـالَكُم

عباد الله : الأمة تواجه حرباً صليبية مسعورة ، تستهدف دينها ومقدساتِها، إنه عام عصيب ، لاقت فيه الأمة أعتى المآسي ، وأدمى المجازر، فظائعَ دامية، وجرائم عاتيةَ، ونوازلَ عاثرة، وجراحاً غائرة، غصصاً تثير كوامن الأشجان، وفجائع تبعث على الأسى والأحزان ، المسلمون فيها ما بين قتيل مرمّل، وجريح مجندل، وأسير مكبّل. ﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

عباد الله : إن من تمام الاستقامة ، أن يُظهر المسلمون شعائر الدين ، وأن يعتزوا بتلك التعاليم ، إقامةٌ للصلوات ، وأداء للأمانات ، وقيام بالواجبات ، وبعد عن المحرمات ، وتورع عن المشتبهات ، استقامة في الأقلام، وصلاح في الإعلام ، وقيام بالتربية ، وكف عن الرشوة ، عزوف عن الربا ، وبعد عن الزنا ، وتنزه عن الغناء ، حفظ للفروج ، وتنزيه للأسماع ، وحفظ للأبصار ، وتطهير للقلوب ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ فاللهم ارزقنا الاستقامة .

الخطبة الثانية

عباد الله : نظرة عابرة لأحداث عصفت بالأمة الإسلامية ، ليست نظرة صحفية ، ولا تحليلات سياسية ، لكنها نظرة متأمل مستفيد ، تمر به الأحداث فيستخلص منها الدروس والعبر ، فمن ذلك :

أولاً : أن الصراع بين الحق والباطل من سنن الله الجارية إلى يوم القيامة ، وأنه قائم بين المؤمنين والكافرين بشتى الوسائل ، ومختلف الميادين ، وأنه يأخذ أشكالاً متنوعة .

ثانياً: زيف الشعارات العالمية : الحرية ، الديمقراطية ، حقوق الإنسان ، فالحرية تعني عندهم : الحرية لكل كافر ولو في رقاب المسلمين وأموالهم وأعراضهم ، والديمقراطية هي حرية التعبير عن تنقصِ المسلمين ، والطعن ِفي الإسلام ، أما حقوق الإنسان ، فهي حقوق اليهود المزعومة ، و حقوق النصارى المكذوبة ، أما الإسلام فهو الإرهاب و الهمجية ، والتخلف والرجعية . فأينكم يا معاشر المخدوعين ، يا من بحضارة الغرب تدندنون ، وإلى سلوكهم تدعون ، وببهرجهم منبهرون ، أما بان لكم العداء ؟ أما آن وقت البراء ؟

ثالثاً : أن المعاصي ومخالفة شرع الله ، سبب لكل بلاء ، وجالبة لكل عقوبة ﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ …﴾ ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ ..

رابعاً : أهمية الإعلام ، وما يغيره من مفاهيم الناس ، انظروا إلى التشويه الإعلامي للإسلام والمسلمين ، تأملوا الهجمات الشرسة على هذه البلاد . ما الذي غير المفاهيم ، و قلب الموازين ، المظلوم أصبح ظالماً ، والمتدين إرهابيا ، وصاحب الأرض مغتصباً ، الاختلاط ضرورة اجتماعية ، والتمسك بالدين تخلف ورجعية ، وقيادة المرأة للسيارة ضرورة حضارية ، ومسألة اقتصادية ، وتغطية المرأة وجهها عادة وراثية ، وكشف الوجه تقدم ومدنية ، المنكر عندهم معروفا ، والمعروف منكرا ، استحسنوا القبيح ، وقبحوا الحسن ،وأجازوا النقاش في المسلمات ، فأضحت الثوابت متغيرات ؟ إنه الإعلام فحري بالمسلمين العناية بهذا الجانب ، وإعطاءه حقه من الرعاية .

خامساً : ظهور حاجة الأمة الملحة إلى العلم الشرعي ، وأنه المخرج من الفتن ، والدليل في المتاهات ، والنور في الظلمات ، والمعين في المدلهمات .

 سادساً: ضعف مكانة العلماء في نفوس بعض الناس ، وسرعة إطلاق الحكم عليهم ، وقذفهم في المجالس ، و الجرأة في تنقصهم وثلبهم . فإن قال بخلاف مرادهم ، فهو العميل والمنافق ، الباحث عن المناصب . وإن توقف في المسألة لعدم وضوحها في ذهنه أو لمصلحة شرعية يراها ، فهو الشيطان الأخرس ، وهو المداهن والجبان . وإن قال بقولهم ، ونصر رأيهم ، فهو الإمام العلامة ، والجهبذ الفهامة ، الصادع بكلمة الحق ، ولو كان منحرفاً في المعتقد أو مُعوجَّاً في السلوك ، فلم يعد مقياسهم شرع الله ، وميزانهم حدود الله ، لكنه الهوى والتعصب . وكان الواجب أن تُحفظ للعالم الرباني مكانتُه ، وأن يبقى في النفوس قدرُه ، وأن يُنشر في الناس فضُله . ولو كان مخطئاً في اجتهاده .

سابعاً:أن الأمة لا يمكن أن تنهض ، إلا إذا تمسكت بكتاب ربها ، وبسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، على فهم سلفها الصالح ، العناية بالعقيدة رأس مال المسلمين ، فإن تمسكوا بها وطبقوها دانت لهم الدنيا «تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي» وإن تمسكوا بشعارات قومية ، أو دعوات عرقية ، أو صيحات حماسية ، أو توجهات حزبية ، فالتجارب أمامهم مكشوفة ، والتاريخ خير شاهد .

فاتقوا الله عباد الله وراقبوه في السر والعلن ، وتمسكوا بدينكم تمسكاً صحيحاً ، وطبقوه تطبيقاً إيجابياً في جميع الأمور؛ تسودوا العالم بأسره،كما حصل لأسلافكم ، وتعيشوا حياة النصر والعز والرخاء والكرامة والتمكين .