فضل محرم

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل محرم

4/ 1/ 1432هـ(غ)

اتقوا ربكم واعلموا ما لله من الحكمة البالغة في تعاقب الشهور والأعوام وتوالي الليالي والأيام، فإن الله جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ومراحل للآجال يعمرها الناس بما يعملون ، ومن رحمته بعباده أن جعل الشمس والقمر حسبانا ففي الشمس معرفة الفصول وفي القمر حسبان الشهور ، ولله سبحانه أن يختص بفضله من يشاء من عباده، وله سبحانه أن يفضل بعض الأزمان على بعض وأن يخصها بمزيد عناية وكرم، ومن ذلك ما اختص به شهر محرم، فهو شهر عظيم ، مبارك ميمون، والصوم فيه مسنون، وهو أول شهور السنّة الهجرية، وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾  وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم.

ومن فضائل شهر المحرم أنه يستحب الإكثار من صيام النافلة فيه، ففي الحديث: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» رواه مسلم، وأفضل أيامه اليوم العاشر، فقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، ففي الصحيحين وغيرهما عَن ابْنِ عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: «مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَومٌ صَالحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَني إِسرائيلَ من عَدُوِّهمْ، فَصَامَهُ مُوسَى -شكراً لله تعالى-، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بمُوسَى منكم، ونحن نصومه تعظيماً له، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصيَامهِ».

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صيَامَ يَومٍ فَضَّلَهُ على غيره إِلا هَذَا اليَوم يَومَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعني شَهْرَ رَمَضَانَ». رواه البخاري.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» رواه مسلم، وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم.

ولما كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم حرصه على مخالفة الكفار في عباداتهم وأعمالهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام اليوم التاسع مع العاشر، فعند مسلم من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «فَإِذَا كَانَ العَامُ المُقبلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» يعني مع العاشر. وهل يجوز إفراد عاشوراء بالصيام حتى وإن كان يوم جمعة أو سبت، يقول أهل العلم: إنه لا مانع منه، وإن كان الأولى صيام يوم قبله أو يوم بعده، كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء.

فاحتسبوا أيها المؤمنون، وارغبوا في صيام عاشوراء رجاء أن تشملكم رحمة الله ومغفرته، وجددوا لله تعالى التوبة في كل حين.

ومما يتعلق بيوم عاشوراء ما أحدثه بعض الناس من البدع فيه، فقد سُئِلَ شَيْخُ الإسْلامِ ابن تيمية رحمه الله عَمَّا يَفْعَلُهُ بعض النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْمَأْتَمِ وَالْحُزْنِ وَالْعَطَشِ، والنَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ. هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ؟ أَمْ لا؟ فأجاب رحمه الله  "لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وقال: فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ: إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ، وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ، تُظْهِرُ مُوَالاتَهُ، وَمُوَالاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ، وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالتَّعَصُّب وَإِثَارَة الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ، وَإِلْقَاء الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الإسْلامِ، وَالتَّوَسُّل بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الأوَّلِينَ- يشير إلى فعل الروافض -وَشَرُّ هَؤُلاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الإسْلامِ، لا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلامِ.  اللهم ......

الخطبة الثانية

الحمد لله :

وإن من تيسير الله تعالى أن جعل الحساب الشرعي مبنيا على الشهور الهلالية لأن لها علامة حسية يفهمها الخاص والعام، وهي رؤية الهلال في المغرب بعد غروب الشمس ، وبذلك عرفنا أن ابتداء التوقيت اليومي من غروب الشمس.

ولقد كان ابتداء التاريخ الإسلامي منذ عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث جمع الناس سنة ست عشرة أو سبع عشرة من الهجرة فاستشارهم من أين يبدأ التاريخ ، ورجح رضي الله عنه أن يبدأ من الهجرة ، لأنها هي السنة التي كان فيها قيام كيان مستقل للمسلمين، وفيها تكوين أول بلد إسلامي يسيطر عليه المسلمون، ثم تشاوروا من أي شهر يبدؤون السنة واتفق رأي عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم على ترجيح البداءة بالمحرم لأنه شهر حرام ويلي ذي الحجة، الذي به تمام أركان الإسلام لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة .

هذا ما جرى عليه المسلمون وعملوا به ، إلى أن دب إلى الأمة داء الوهن والضعف, وأصابها العجز والكسل, وتسلط عليها أعداؤها المستعمرون، فمزقوها شرّ ممزق, فكان من جملة ما ذهب من معالم شخصيتها وأعلام تميزها التأريخ الإسلامي الهجري, فاستبدل كثير من أبناء الأمة ودولها الذي هو أدنى بالذي هو خير, فنسي التاريخ الهجري، وأصبح التاريخ النصراني الإفرنجي مشهوراً معروفاً. وهذ يترتب عليه مفاسد كثيرة, منها:

عزل أبناء الأمة عن تاريخهم وأمجادهم وأسلافهم, وضياع كثير من الشعائر التعبدية, والمعالم الشرعية, فلا يدري المسلم متى الأيام البيض, التي رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صيامها, ولا يعرف ما هي الأشهر الحرم, التي أوجب الله على المؤمنين احترامها وتعظيمها, ولا يعلم ما هي أشهر الحج, وغير ذلك من العبادات. ومن المفاسد الوقوع في الإثم العظيم, والذنب الكبير, الذي نهى الله ورسوله عنه, وهو التشبه بالكفار وتقليدهم, والتبعية لهم, فقد قال صلى الله عليه وسلم : «من تشبه بقوم فهو منهم»

فالتأريخ بتاريخ النصارى الميلادي لا يجوز إلا لحاجة, أو تبعاً للتاريخ الهجري, فاحرصوا ـ بارك الله فيكم ـ على المحافظة على معالم شخصية أمتكم, وإياكم والتشبه بأعداء الله؛ من اليهود والنصارى والمشركين.