ويسلموا تسليما ( خطبة العيد )

بسم الله الرحمن الرحيم

ويسلموا تسليما – عيد الفطر

 1431هـ(غ)

 

فاتقوا الله في الورود والصَدَر، وراقبوه فيما بطن من الأمور وظهر، واعبدوه حق عبادته في الآصال والبُكر، واشكروا نعمه فقد تكفّل بالمزيد لمن شكر، وخافوا مقامه واحذروا بطشه كل الحذر يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ

 أيها المسلمون: اقدروا الله حق قدره، وانظروا في دلائل عظمته،  وتفكروا في آياته ،لتزدادوا به إيماناً، وتخرّوا له إذعاناً وخضعاناًإِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَـٰتٍ لأِوْلِى ٱلألْبَـٰبِ  خلقٌ هائلٌ عجيب، وكونٌ عظيم مَهيب، شموس وأقمار، ورياح وأمطار، وليل ونهار، وحبّ ونبات، وجمع وأشتات، وأحياء وأموات، وآيات في إثرها آيات، فسبحانه من إله عظيم، أوضح دلالته للمتفكرين، وأبدى شواهده للناظرين، وبين آياته للغافلين، وقطع عذر المعاندين، ودحض حجج الجاحدين فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ

عباد الله: إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيّعوها ، وحدّ حدودا فلا تعتدوها ، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء - رحمة لكم غير نسيان – فلا تبحثوا عنها ، أمركم بالشهادتين فالزموها، وبإقام الصلاة فأقيموها، وبإيتاء الزكاة فأدوها، وبصوم رمضان ، وحج بيته الحرام ، فاستسلموا لأمر الله ، وقوموا بما أوجب عليكم، راضية بها نفوسكم ، مسلمة لها قلوبكم.

أيها المسلمون: إن من أظلم الظلم وأعظم الإثم الإشراك بالله إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ فاحذروا الشرك وطبائعه، ووسائله وذرائعه ، وإنَّ من أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، أن هداهم للإسلام ، ولم يجعله ملتبسًا عليهم ولاعسيرا؛ بل بيَّنَه سبحانه وتعالى أكملَ بيان }أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا{ فجاءت براهين القرآن الساطعة، وحجج السنة القاطعة ببيان الحق أيما بيان، وإيضاحه بما يروي الظمآن ، قال الشاطبي: ((الكتاب كل الشريعة، وعمدة الملة ،وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور البصائر والأبصار. لا طريق إلى الله سواه ولا نجاة إلا لمن استضاء بهداه)) والسُّنَّة : قول رسول الله r وفعله وإقراره؛ كلُّها وحيٌ يلزم اتباعه؛ قال تعالى: }وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا{ فلا يقول r إلا صدقًا، ولا يفعل إلا حقًّا، ولا يقرِّر إلا عدلاً. وقد قام النَّبيُّ r بدوره فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة،وأوضح المحجة ، وأقام الحجة ولازال منهج السلف قائماً على تقديم النَّصَّ وتقديسه، والعمل بهديه، والتسليم له ، فلا أحد أحسنُ دينًا، ولا أصوبُ طريقًا، ولا أهدى سبيلاً ممَّن أسلم وجهَه لله تعالى فانقاد له }وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ{  قال الزُّهريُّ رحمه الله «من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التَّسليم»  فالوحيُ الإلهيُّ «لا سبيلَ إلى مقابلته إلاّ بالسَّمع والطَّاعة والإذعان والقبول؛ وليس لنا بعدَه الخيرةُ، وكلُّ الخيرة في التَّسليم له والقول به، ولو خالفه مَن بَين المشرق والمغرب»؛ قال تعالى: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ {  وقد أقسم تعالى بذاته المقدَّسة أنَّه لا يثبت لأحد إيمان، ولا يكون من أهله، حتى يُحكِّمَ رسولَ الله r في جميع الأمور}فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{  والتَّسليمُ لنصوص الكتاب والسُّنَّة هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله؛ فإنَّ الشَّهادةَ لله بالوحدانية ، مبناها على التَّسليم التَّامِّ له في أمره ونهيه وخبره، وعدم المعارضة وإيراد الأسئلة }لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ{  ومقتَضَى الشَّهادة للنَّبيِّ r بالرِّسالة تصديقُه فيما أخبر، وطاعتُه فيما أمر، والانتهاءُ عمَّا عنه نهى وزجر، وألا يُعبدَ اللهُ إلا بما شرَّع.    وهذه حالُ السَّلَف؛ «فالسُّنَّةُ أجلُّ في صدورهم من أن يقدِّموا عليها رأياً فقهيًا، أو بحثًا جدليًّا، أو خيالاً صوفيًّا، أو تناقضًا كلاميًّا، أو قياسًا فلسفيًّا، أو حكمًا سياسيًّا؛ فمَن قَدَّمَ عليها شيئًا من ذلك فبابُ الصَّواب عليه مسدودٌ؛ وهو عن طريق الرَّشاد مصدودٌ» {عباد الله : لقد جعل شرع الله في أيامنا هذه، مجالا للتصويت ، وأخذ آراء البشر ، فهاهم اليوم في بعض القنوات يطرحون مسألة حكم فيها الله ورسوله ، كتغطية وجه المرأة ، أو تعدد الزوجات ، أو إرث المرأة ، ويبدؤون في جمع الأصوات الموافقة والمعارضة ، فياسبحان الله ، هل هم أعلم من الله بمصالح عباده  ( أم خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون )  ( أفحكم الجاهلية يبغون ) فإياكم وهؤلاء لاتتابعوا برامجهم ، ولاتنظروا في مناظراتهم ، وابتعدوا عن كتاباتهم ، ولاتشاهدوا  في الشاشات حلقاتهم ، ولو على سبيل التَّنَدُّر والتَّهَكُّم منهم؛ فإنَّ الشُّبَهَ خطَّافةٌ. وقد وجَّهَ النَّبيُّ r مَن أدرك الدَّجَّال أن ينأى عنه، ولا يحسن الظَّنَّ بنفسه. وقال عمرُ بن عبد العزيز رحمه الله: «يا أيُّها النَّاس، إنَّه ليس بعد نبيِّكم نبيٌّ، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنَّتكم سنَّةٌ، ولا بعد أمَّتكم أمَّةٌ، ألا وإنَّ الحلالَ ما أحلَّه اللهُ في كتابه على لسان نبيِّه؛ حلال إلى يوم القيامة، ألا وإنَّ الحرامَ ما حرَّمَ الله في كتابه على لسان نبيِّه حرام إلى يوم القيامة»    فاللهم أرنا الحق............................................

الخطبة الثانية

الحمد لله

فإن الله خلق الخلق من ذكر وأنثى وسخر بعضهم لبعض، وجعل بعضهم قائداً وولياً على بعض، فهو خالقهم ، وأعلم بما يصلحهم ، ومن ذلك ولاية الرجل على المرأة وقوامته عليها. بما هيأه الله وفضله و ما ركب الله في الرجل من ميزات فطرية الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم قال ابن كثير : الرجل قيم على المرأة: أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا أعوجت.

عباد الله: إن قوامة الرجل على المرأة شرع الله الذي لا محيد عنه. ولا خيار لنا في العدول عنه. قوامة منطلقة من العدل في الحكم، متمشية مع الشرع ، بعيدة عن الإذلال، فمن أراد الفلاح والسعادة في الدارين فعليه بالتمسك بشرع الله. فما من شيء شرعه الله إلا وفيه الصلاح والفلاح، ولقد تأثر فئام من الناس بما يبثه الغرب وأتباعه من أفكار حول قوامة الرجل على المرأة ظاهرها الدفاع عن حقوق المرأة ، وباطنها دفع الناس إلى حرية فاجرة حائرة ضاعت بسببها مجتمعاتهم وتخلخلت بها أسرهم، فأجلب هؤلاء بخيلهم ورجلهم يشوهون ويسخرون من قوامة الرجل الشرعية فيتهمونها بالتخلف والتسلط. وانتهاك حقوق الإنسان، وأظهروا المرأة المطيعة لزوجها الحافظة لحقوقه، القارة في بيته، بصورة المرأة المتخلفة الجاهلة. وأظهروا غيرها بأنها المتمدنة المتحضرة المتحررة، نعم متحررة من قيود الرحمن ، مكبلة بقيود الشيطان ، والطائعة متحررة من قيود الشيطان ترفل بكل فخر في قيود الرحمن.

عباد الله : لما تقاعس الرجال عن القيام بدورهم الشرعي تجاه المرأة ،ظهرت المنكرات في صفوف النساء، كالتبرج والسفور والاختلاط والتصوير ، والسفر خارج البلاد لغير حاجة شرعية، وعدم القرار في البيوت ، وتقليد الكافرات في الملابس وإظهار العورات،والتساهل في مخاطبة الباعة والخدم،والخلوة بالسائقين ، فأين غيرة الرجال التي كنا نعرفها؟

يامعشر الرجال اسمعوا بعض حقوقكم على النساء التي فرطتم فيها باختياركم ، فضعفت قوامتكم ، وضعف أمركم عليهن ونهيكم ، قال صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة توفيت وزوجها راض عنها دخلت الجنة "  وروى الإمام أحمد والنسائي عن الحصين بن محصن الأنصاري، عن عمة له أنها أتت رسول الله صلى عليه وسلم لحاجة لها، فلما فرغت من حاجتها قال: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم. قال: فكيف أنتِ له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه فأحسني، فإنه جنتك ونارك.   وقال عليه الصلاة والسلام  (إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت )   و قال صلى الله عليه وسلم ( لو لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) وقال عليه الصلاة والسلام( ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول والله لا أذوق غمضا حتى ترضى)

وقال صلى الله عليه وسلم( إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ، لعنتها الملائكة حتى ترجع ) . هذه بعض حقوقكم يامن ضيعتموها، وباختياركم تركتموها،فضعتم وضاعت نساؤكم، فاتقوا الله وقوموا بما أوجبه عليكم( كلكم راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته)