وجوب طاعة الرسول

بسم الله الرحمن الرحيم

طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

الجمعة : 24/2/1422هـ (13)

الحمد لله ………أما بعد

عباد الله : إن الله تعالى قد بعث محمداً بالدين القويم ، والنهج المستقيم ، أرسله رحمةً للعالمين ، وإماماً للمتقين ، وحجة على الخلائق أجمعين ، أرسله على حين فترة من الرسل ، فهدى به إلى أقوم الطرق ، وأوضح السبل ، وسد دون جنته الطرق ، فلم تفتح لأحد إلا من طريقه ، فشرح الله له صدره ، ورفع له ذكره ، ووضع عنه وزره ، وافترض على العباد طاعته وتعزيره ، وتوقيره ومحبته ، والقيام بحقوقه فقال سبحانه : ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ .

عباد الله : في هذه الآية الأولى يخبرنا ربنا جل وعلا أن رحمته عظيمة الشمول ، وسعت كل شي ، البر والفاجر ، المؤمن والكافر ، فلا مخلوق إلا وصلت إليه رحمة الله ، وغمره فضله ، وبره وإحسانه ، ولكن الرحمة الخاصة ، المقتضية لسعادة الدنيا والآخرة ، ليست لكل أحد ، وإنما كما قال سبحانه : ﴿ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ … ﴾ يتقون المعاصي صغارها و كبارها ، ويؤتون الزكاة مستحقيها ، ويؤمنون بآيات الله ، ويصدقون بها ، ويعملون بمقتضاها . ثم إنه سبحانه لم يجعل الأمر مبهما ، بل أوضح تباعاً في الآية الثانية ، من هؤلاء السعداء ؟ وما أسباب سعادتهم ؟ ومن الذي سعدوا على يديه ؟ تحرزاً عن غيره و تبشيراً به حتى يتبين الفضل ﴿ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ ﴾ فقال سبحانه : ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ﴾ والمقصود به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم ختم سبحانه الآية بدليل أكثر وضوحاً ، وأكمل بياناً ، وتبشيراً للذين هم بآياته يؤمنون فقال سبحانه : ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ وجعل سبحانه العزة لأهل طاعته فقال سبحانه : ﴿ وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر قال ، قال رسول الله : « بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن يتشبه بقوم فهو منهم ». عباد الله : إن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة لله كمال قال سبحانه : ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ﴾ فأي مسلم بلغته سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وجب عليه اتباعها والعمل بها ، وافقت هواه أو خالفته ، وأي إنسان يزعم أنه متبع لهذا الرسول ولكنه عندما تبلغه سنته لا يأخذ منها إلا ما وافق هواه فإنه كاذب في زعمه ، وإنما هو متبع لهواه كمال قال سبحانه : ﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ ﴾ وقد عاب الله تعالى على بني إسرائيل هذا الصنيع مع أنبيائهم فقال سبحانه : ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ . فبقدر متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون العزة والكفاية والنصرة من الله ، كما أنه بحسب متابعتة تكون الهداية والصلاح والنجاح ، فالله تعالى علق سعادة الدارين بمتابعته صلى الله عليه وسلم وجعل شقاوة الدارين في مخالفته .

عباد الله : روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غربياً كما بدأ فطوبى للغرباء » . وجاء في روايات أخرى وصف هؤلاء الغرباء بأنهم «الذين يصلحون إذا فسد الناس» ، وفي رواية « أنهم الذين يصلحون ما أفسد الناس » وفي رواية « أنهم الذين يمسكون بكتاب الله حين يترك ويعملون بالسنة في حين تطفأ » ففي هذه الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلمإخبار عن قلة المتمسكين بالسنة في آخر الزمان ،وكثرة المخالفين لها ، وفيها الحث على التمسك بها عند ذلك والصبر عليها .

ولقد اشتدت غربة السنة في بلدان الإسلام اليوم ، وأخذت تطمس معالمها وتطارد في كل مكان ، ويحل محلها الضلال والبدع والكفر والفسوق . نسأل الله العافية . عباد الله : لقد قالوا إن التمسك بالسنة جمود ورجعية وتأخر ، فلا تهولنكم هذه الألقاب فقد قيل فيمن هو أجلُ منكم أعظم من ذلك ، فصبروا على دينهم وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين . وما عرف هؤلاء المخدوعون أن الجمود هو عدم قبول الحق فإن الذي لا يقبل الحق قد تحجر قلبه وطبع وختم عليه فصار غلفاً لا يصل إليه النور ، وإن الرجعية هي ا الرجوع إلى الباطل وأن التأخر هو التأخر عن الخير إلى الشر ، وكل الأوصاف موجودة فيهم . وأما المتمسك بالسنة فهو بحمد لله طيب القلب ، سليم التفكير ، سباقٌ إلى الخير، لا جامداً ولا رجعياً ولا متأخراً . عباد الله : إن ما حل بالمسلمين اليوم من ضعف وهوان ، وتفكك ومصائب ، إنما سببه تفريطهم في التمسك بدينهم ، والتماس الهدى من غيره ، فلما أعرضوا عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما ، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما ،عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم ، وظلمة في قلوبهم ،وكدر في أفهامهم ، ومحق في عقولهم ، وغلبت عليهم هذه الأمور ، حتى شب عليها الصغير، وهرم عليها الكبير ، فلم يروها منكراً . ولن تذهب عنهم هذه الآفات حتى يرجعوا إلى دينهم قال تعالى ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ، أمرنا باتباع رسوله ، ومعرفة الهدى بدليله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فاعبدوه واشكروا له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

أما بعد : فقد روى البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان أنه قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله : « إنا كنا في جاهلية وشر فأتانا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، قلت : يا رسول الله فهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه يا رسول الله؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر » الحديث ففي هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من التهاون بسنته والعمل بخلافها ، وقد جعل الله مخالفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم على خطر من دينهم فقال ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند قوله تعالى ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ قال أمر من خالف أمره أن يحذر الفتنة ، والفتنة : الردة والكفر قال سبحانه ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ قال الإمام أحمد نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعاً ثم جعل يتلو ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ وجعل يكررها

عباد الله : كم يبلغنا من أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونواهيه ؟ نتلو كتاب الله ، ونسمع صحيح السنة ، ونسمع المواعظ والخطب ، ولا يحرك ذلك فينا ساكناً ، وكأن الأمر لا يعنينا ، أين الامتثال لهذه الأوامر ، وأين أثرها فينا ؟ هل غيرت من واقعنا ؟ هل اتجهنا إلى الطاعات وابتعدنا عن المنهيات ؟ أم أننا خلف أهواءنا نلهث ، وعلى معاصينا نلبث ،