خطبة عيد الأضحى 1446هـ

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، أما بعد

فهنيئاً لكم أيها المسلمون بإدراك هذا العيد، وتقبل الله منكم، عيدٌ سعيدٌ في يوم هو أفضلُ الأيام عِنْدَ اللهِ وهو يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، أدركتم هذا اليومَ العظيم في أمن وإيمان وخيرٍ من الرحمن، فاشكروه سبحانه وكبِّروه

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله

 الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

عباد الله إن أعظم ما يسعى إليه الناس رجالاً ونساءً هو الوصول إلى حقيقة السعادة والانشراح والطمأنينة والتي فقدها اليوم كثير من الناس

فتجده يعيش تائها قلقاً، ضائقَ الصدر، ألا وإن أعظمَ سببٍ للسعادةِ والطمأنينةِ وانشراحِ الصدرِ

 التعلق بالله عز وجل وحده لا شريك له محبةً وتعظيماً وخوفاً ورجاءً فإن هذا أعظمَ الحقوقِ وهو أعظمُ الواجبات، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.

وإن أعظمَ سببٍ لقسوةِ القلبِ وضيقِ الصدرِ والقلقِ والهمومِ والغمومِ الشرك بالله والتعلق بغيره حتى عُبِدَتْ قبورٌ ومشاهِد، وبنيتْ عليها قباب ومساجد، فصار يُذبح لغير الله، ويُطاف بمزارات، وتُطلَبُ البركةُ والرزقُ من أموات! فإنا لله وإنا إليه راجعون.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد…


عباد الله، ومن أعظمِ أسبابِ السعادةِ الشهادةُ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالةِ وتصديقُه وطاعتُه واتباعُ سنته، والبعدُ عن البدع، فمن اتبع طريقاً غيرَ طريقِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنهجاً غيرَ سبيله فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً،

ومحبة الله لا تحصلُ إلا باتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ».


ومن أعظمِ أسبابِ السعادةِ

محبةُ أصحابِ النبيِ عليه الصلاةُ والسلامُ والترضي عنهم واتباعُ سبيلِهم

والمحافظةُ على الصلاةِ في وقتِها بخشوعٍ وطمأنينةٍ وحضورِ قلب فإنها عمود الدين وهي أول ما يحاسب عليه العبد من أعماله

وإيتاءُ الزكاةِ بطيب نفس فإنها علامة الإيمان وهي قرينة الصلاة وصيامُ رمضانَ وحجُ البيت لمن استطاع إليه سبيلاً

 والإيمانُ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخرِ والقدرِ خيره وشره فإنها أعظم ما تصلح به القلوب وتتغذى به الروح 

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله

 الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

ومن أعظم أسباب السعادة

 الإحسانُ إلى الوالدين غاية الإحسان: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾

فيا سعادة من بَرَّ والديه

 ويا تعاسة من عقَّهما،


ومن أسباب السعادة أداءُ الحقوق الزوجية فتجب المعاشرة بالمعروف؛ وعلى الزوجين الصبرُ على هذه الحياة، والتعاونُ بينهما على البر والتقوى لتحصل السعادة الأسرية وكذلك أداءُ حقوقِ الأولادِ في تربيتِهم على الخيرِ والبُعْدِ بهم عن مواطنِ الشرِ

وأكثروا من الدعاء لهم بالصلاح، فإن صلاحهم من أسبابِ سعادتِهم وسعادةِ والديهم

وكذلك أداء حق المسلم على أخيه في نصحه، والقيامِ بحقه، ونصرتِه، ومحبةِ الخير له، قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله

 الله أكبر الله أكبر ولله الحمد


ومن أعظم أسباب السعادة أداء حقِ ولي الأمرِ المسلمِ على رعيته، في السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ له فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَنْ لاَ يُنَازَعَ في الأَمْرِ، قَالَ: «عَلَى الْمَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» متفق عليه.


فالتفريطُ في هذا الأصل العظيم مُؤْذِنٌ بفساد كبير، فالزموا جماعة المسلمين، واعرفوا رحمكم الله لولي الأمر حقه، وادعوا له بالصلاح والمعافاة، وقوموا بأداء الحقوق امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واحذروا الفرق الضالة، والجماعات المخالفة، وإياكم والأحزاب البغيضةَ فهي شر وبلاء، وحافظوا على مجتمعكم، وتجنبوا ما يُفرِّقُ جماعته، وكونوا عباد الله متحابين متناصحين متآلفين، جماعةً واحدةً على الحق مجتمعين.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

‏الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

أَمَّا بَعْدُ: فمِنْ أسباب السعادة مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى الله فِي هَذِهِ الأَيَّامِ: من ذَبْحَ الأَضَاحِي، فإنها من شعائر الله وهِيَ سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام، وَهَدْيُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيُسَنُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، أَنْ يَخْتَارَ مِنَ الأُضْحِيَةِ أَسْمَنَهَا ثُمَّ أَغْلَاهَا، وَوَقْتُ الذَّبْحِ يَبْدَأُ مِنْ بَعْدِ الفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ العِيدِ وثلاثة أيام بَعْدَهُ

وَالسُّنَّةُ أَنْ يَذْبَحَهَا المُضَحِّي بِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَحْضُرْهَا عِنْدَ الذَّبْحِ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَباً في اِنْدِثَارِ سُنَّةِ ذَبْحِ الأَضَاحِي فِي بُيُوتِكُمْ وَبِلَادِكُمْ، وتجنبوا ما لايجزأُ في الأضاحي

وَيَنْبَغِي الإِحْسَانُ فِي الذَّبْحِ بِحَدِّ الشَّفْرَةِ، وَإِرَاحَةِ الذَّبِيحَةِ، وَالرِّفْقِ بِهَا، وَإِضْجَاعِهَا عَلَى جَنْبِهَا الأَيْسَرِ.

وَكُلُواْ مِنْ ضَحَايَاكُمْ - تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ- وَاهْدُواْ، وَتَصَدَّقُواْ، وَادَّخِرُواْ،

وَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ، وَرُدُّواْ المَظَالِمَ إِلَى أَهْلِهَا، فَلَا يُؤْنِسُ وَحْشَةَ القَبْرِ إِلَّا عَمَلٌ صَالِحٌ، وَلَا يَقِي عَذَابَ النَّارِ إِلَّا نُورُ الإِيمَانِ، وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَ المُؤْمِنِينَ سَلِمَ، وَمَنْ لَمْ يَقْبَلِ النُّصْحِ نَدِمَ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهَا لَهَا مِنَ الله طَالِباً.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله

 الله أكبر الله أكبر ولله الحمد


عِبَادَ اللهِ: اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ: الْأَضْحَى وَالْجُمُعَةُ، فَمَنْ صَلَّى مَعَنَا الْعِيدَ، فَيُرَخَّصُ لَهُ فِي عَدَمِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، وَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الْجُمُعَةَ، فَهُوَ أَفْضَلُ،


ويا نساء المسلمين

: اتَّقِينَ اللهَ وَالْتَزِمْنَ بِالوَاجِبَاتِ والمحافظة على الصلاة في وقتها والحجاب الشرعي بغطاء الوجه عن غير المحارم، وَلَا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ، وَلَا تَبَرَّجْنَ، وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَطِعْنَ أَزْوَاجَكُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَإِيَّاكُنَّ وَكُفْرَانَ العَشِيرِ، وَأَحْسِنَّ تَرْبِيَةَ الأَوْلَادِ، فَإِنَّكُنَّ رَاعِيَاتٌ وَمَسْؤُولَاتٌ عَنِ الرَّعِيَّةِ.


اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل الله هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا، وسائرَ بلاد المُسلمين.

 اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم اجعَل هذا العِيدَ عِيدًا سعيدًا لجميع المُسلمين في كل بِقاع الأرضِ يا قويُّ يا عزيز. اللهم سلِّم الحُجَّاجَ والمُعتَمِرين، ورُدَّهم إلى بلادِهم سالِمِين غانِمِين مأجُورِين يا ذا الجلال والإكرام.

 اللهم وفِّق إمامَنا خادم الخرمين وولي عهده لهُداك، واجعَل عملَهما في رِضاك، ووفِّق جميعَ وُلاة أمورِ المسلمين للعمَلِ بكتابِك وتحكيمِ شرعِك يا ذا الجلال والإكرام. سُبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عمَّا يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالَمين.