منزلة العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم

منزلة العلماء

الجمعة : 10/7/1422ه

إن الحمد لله

فقد أنعم الله علينا في هذه البلاد ، بعلماء ربانيين ، حملوا العلم خلفاً عن سلف ، عدالة في الرواة ، واتصال في الإسناد ، حتى وصل إلينا هذا العلم ، خالياً من الشوائب ، لا تعكره بدعة ، ولا يلوثه هوى . نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله . واستمع إلى فضل أهل العلم : قال الإمام الآجري رحمه الله تعالى ( إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه – اختص من خلقه من أحب ، فهداهم للإيمان ، ثم اختص من سائر المؤمنين ، من أحب ، فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة ، وفقههم في الدين ، وعلمهم التأويل ، وفضلهم علي سائر المؤمنين ، وذلك في كل زمان وأوان ، رفعهم بالعلم ، وزينهم بالحلم ، بهم يعرف الحلال من الحرام ، والحق من الباطل ، والضار من النافع ، والحسن من القبيح ، فضلهم عظيم ، وخطرهم جزيل ، ورثة الأنبياء ، الحيتان في البحار لهم تستغفر ، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع ، مجالسهم تفيد الحكمة ، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة . هم أفضل من العباد ، وأعلى درجة من الزهاد ، حياتهم غنيمة ، وموتهم مصيبة ، يذكر ون الغافل ، ويعلمون الجاهل ، لا يتوقع لهم بائقة ، ولا يخاف منهم غائلة . بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون ، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون ، جميع الخلق إلى علمهم محتاج ، والصحيح على من خالف بقولهم محجاج . من أطاعهم رشد ، ومن عصاهم عند ، مااشكل على قضاة المسلمين من حكم ، فبقول العلماء يحكمون ، وعليه يعولون ، فهم سراج العباد ، ومنار البلاد ، وقوام الأمة ، وينايبع الحكمة ، هم غيظ الشيطان ، بهم تحيا قلوب أهل الحق ، وتموت قلوب أهل الزيغ ، مثلهم في الارض كمثل النجوم في السماء ، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، إذا انطمست النجوم تحيروا ، وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا … ) وقال الإمام القزويني في شأن العلماء : كرامتهم عظيمة ، ولحومهم مسمومة ، من شمَّها مرض ، ومن أكلها سقم ، وأوصيكم معشر الناس والملوك بالعلماء خيراً ، فمن عظمهم فقد عظم الله سبحانه وتعالى ورسوله ، ومن أهانهم فقد أهان الله تعالى ورسوله ، أولئك ورثة الأنبياء وصفوة الأولياء ، شجرة طيبة ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ ، ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ . وقال رحمه الله تعالى أيضاً إن الله سبحانه شرف أهل العلم ، ورفع أقدارهم ، وعظم مقدارهم ، ودل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ، بل قد اتفق العقلاء على فضيلة العلم وأهله ، وأنهم المستحقون شرف المنازل ، وهو ممالا ينازع فيه عاقل . وفي فضل العلم وأهلة يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى ( لولا العلم لكان الناس كالبهائم في ظلمات الجهالة ، ولولا العلم لما عرفت المقاصد والوسائل ، ولولا العلم ماعرفت البراهين على المطالب كلها ولا الدلائل . العلم هو النور في الظلمات ، وهو الدليل في المتاهات والشبهات ، وهو المميز بين الحقائق ، وهو الهادي لأكمل الطرائق ، بالعلم يرفع الله العبد درجات ، وبالجهل يهوي إلى أسفل الدركات )

ومن خصالهم : أن في بقائهم مصلحة للأمة ، وفي ذهابهم مفسدة وخيمة ، قال صلى الله عليه وسلم « إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا ولكن ينتزعه مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون » أخرجه الإمام البخاري .

- ومن خصالهم : أن بضاعتهم باقية بعد موتهم ، وأغلب بضاعة من سواهم زائلة ، قال صلى الله عليه وسلم « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلى من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له » أخرجه مسلم

- ومن خصالهم : أن أجرهم يتضاعف بتضاعف المنتفعين بعلمهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » أخرجه مسلم.

- ومن خصالهم : أن مجالسهم محفوفة بالملائكة ، والرحمة تغشى تلك المجالس ، والسكينة تنزل عليهم ، وأن الله تعالى يذكر هم فيمن عنده ، « ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده » أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .

- ومن خصالهم : أن جليسهم لا يشقى بهم ، كما صح في الخبر « هو القوم لا يشقى بهم جليسهم » رواه الشيخان.

- ومن خصالهم : أنهم عدول الأمة والمدافعون عن دينها ، كما ورد في الحديث : « يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين »

- ومن خصالهم : أنهم أولى الناس بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالنضارة .

- ومن خصالهم : أنهم المبالغون لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .

ودليل هاتين الخصلتين قوله صلى الله عليه وسلم « نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه … » أخرجه الإمام الترمذي .

- ومن خصالهم : أنهم أعظم درجة من الزهاد كما ورد في الحديث المتقدم : « وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب » .

ومن خصالهم أيضاً ( أنهم أحق الناس بولاية الله تعالى لهم ﴿ أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال : « من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب » أخرجه البخاري ، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : ( إذا لم يكن العلماء أولياء الله ، فلا أعرف لله وليا ) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ( المراد بولي الله : العالم بالله المواظب على طاعته ) .

أن من أهان العلماء فقد عرض نفسه لوعيد النبي صلى الله عليه وسلم المتمثل في قوله : « ليس منا من لم يجل كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه » رواه أحمد والحاكم عن عبادة رضي الله عنه .

أن من اغتابهم أو رضي بغيبتهم فهو معرض لموت القلب ، قال ابن عساكر رحمه الله تعالى ( اعلم – وفقني الله وإياك لمرضاته – وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته – أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار متنقصهم معلومة ، وقل من اشتغل في العلماء بالثلب إلا عوقب قبل موته بموت القلب ،( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) .

وعن علي رضي الله تعالى عنه قال : ( من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ).

أن المجتمع الذي يهان فيه العلماء مجتمع متداع للتصدع والفوضى ، كيف لا ؟ والعلماء نور للناس ، بهم يقتدون ، وعن رأيهم يصدرون ، فهم للناس كالشمس في النهار ، وكالعافية للبدن .

أن في إهانة العلماء وإسقاط حقهم وكرامتهم ، تنفيذا وتحقيقا لما تسعى إليه يهود – قبحها الله فقد جعلت يهود طمس هوية العلماء ومسخ مكانتهم من أهم أهدافها التي تسعى إلى تحقيقها .

جاء في بعض بنود مخططات اليهود ما نصه : ( وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين ) فيا من تدعي معرفة مخططات الأعداء ، ما لي أراك تحقق أهدافهم من حيث لا تشعر ، أي خطر أعظم على الأمة ، إذا سقطت مكانة علمائها ، أسألك بالله لأي شيء تهدف ، وإلى أي أمر تريد أن تصل ، إذا أسقطت مكانة العلماء ، أتظن أن في ذلك صدعاً بالحق ؟ وما الذي يدريك أنه حق ؟ أليسوا العلماء ؟