التحذير من الاختلاط

بسم الله الرحمن الرحيم

التحذير من الاختلاط

12/4/1429هـ(غ)

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ . أمر الله سبحانه وتعالى النساءَ بإدناء الجلابيب وغض البصر، وحرّم الاختلاط بين الرجال والنساء، كلُّ ذلك سداً للذريعة وحسماً للوسائل المؤدية إلى الفساد.

عباد الله، إن من حرص الشارع عن التباعد بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم أن رغّب في ذلك حتى في أماكن العبادة، كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في مسجدها فقال رسول صلى الله عليه وسلم: « لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن» (حم) ، وعن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا سلّم ـ أي: إذا فرَغ من الصلاة ـ مكَث قليلاً، وكانوا يَرونَ أنّ ذلك كيما ينفذ النساءُ قبل الرجال. أخرجه أبو داود، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو تركنا هذا البابَ للنّساء»، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. أخرجه أبو داود، وعن أبي أسيد الأنصاريّ رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارجٌ من المسجد فاختلط الرّجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: « استأخِرن، فإنّه ليس لكنّ أن تحقُقن الطّريقَ، عليكنّ بحافّات الطريق» أخرجه أبو داود. وإذا كان ذلك في حق المصلين والمصليات وهم خلاصة المجتمع فكيف بغيرهم؟ وعن عقبة بن عامر الجهنيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إيّاكم والدخولَ على النساء»، فقال رجل من الأنصار: يا رسولَ الله، أفرأيتَ الحموَ؟ قال: « الحموُ الموت» متفق عليه، وقد حذر رسول الله المسلمين من خلط الذكور والإناث ـ حتى ولو كانوا إخوة بعد سن التمييز ـ في المضاجع، فقال عليه الصلاة والسلام: « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله  صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: « لا يخلوَنّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافِر المرأة إلاّ مع ذي محرم»، فقام رجلٌ فقال: يا رسولَ الله، إنّ امرأتي خرجت حاجَّةً وإني اكتُتِبتُ في غزوةِ كذا وكذا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: « انطلِق فحُجَّ مع امرأتك»

تلك أدلَّةٌ من الكتاب والسنة تردُّ أباطيلَ كلِّ مارق، وتحسِم أضاليلَ كلِّ ماذق، ممّن عدَلَ عن مَوردهما العذبِ الزُّلال، إلى آسِن أهواء أهل الفِسق والضَّلال.

يقول ابن القيم رحمه الله: "ولا ريبَ أن تمكينَ النساء من اختلاطهن بالرجال أصلُ كلِّ بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتَّصلة، ولمَّا اختلط البغايا بعسكر موسى وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون، فمات منهم في يوم واحدٍ سبعون ألفاً" أ ه

يا فتاةَ الإسلام، كوني كما أرادَك الله وكما أراد لك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، لا كما يريدُه دعاةُ الفتنة، وسُعاةُ التبرُّج والاختلاط، فأنتِ فينا مُربِّيةُ الأجيال، وصانعةُ الرجال، وغارسةُ الفضائل، وكريمِ الخصال، ومرضِعةُ المكارم، وبانيةُ الأمم والأمجادِ، فحاشاك حاشاك أن تكوني مِعوَلَ هدمٍ، وآلةَ تخريب، وأداةَ تغيير وتغريب، في بلادِ الإسلام الطّاهرة، وربوعِه العامرة.

أيّتها المسلمة: تجلَّلي بأشرفِ إِكليل، وتلفّعي بأهدَى سبيل، وانتمي إلى خيرِ قَبيل، تجلَّلي بالتقوى والإيمانِ، والخشية والخوفِ والحياء من الرحمن، واحذري كلَّ متبرِّجةٍ داعِرة، وكلَّ حاسِرة وسافِرة، وكلّ ماجنةٍ وكافرة، وأرعِي سمعَك لقول رسولِ الهدى صلى الله عليه وسلم: « صنفان من أهلِ النار لم أرَهما: قومٌ معهم سياطٌ كأذنابِ البقر يضرِبون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات مميلاتٌ مائلات، رؤوسُهنّ كأسنِمَة البُخت المائلة، لا يدخلنَ الجنة ولا يجِدن ريحَها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرةِ كذا وكذا» أخرجه مسلم

أيّها الآباء والأولياء، صونوا نساءَكم، واحفَظوا أعراضَكم وأنسابكم، واجتنِبوا التفريطَ والتشاغُل، وحاذروا التقصيرَ والتساهلَ، الذي لا تُؤمَن لواحِقُه وتوابعُه، وتواليهِ وعواقبه، بيدَ أنّ عاقبتَه بوار، وخاتمته خَسار، كونوا أُباةَ العَار، وحُماةَ العَرين، كونوا كمحافظٍ متنبِّهٍ لا يغفل، ومُراعٍ متيقِّظٍ لا يُهمِل. واعلَموا أنّ أشرفَ الناس أشدُّهم غيرةً على نفسِه وأهله وعِرضه، ومَن لا غَيرة عنده فبطنُ الأرض أولى به من ظهرها، ففي الصحيحين: « والرجلُ راعٍ على أهلِه ومسؤول عن رعيته، والمرأةُ راعية في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيّتها»

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ .

الخطبة الثانية

زعَمَ السفورَ والاختلاطَ وسيلةً *** للمجد قومٌ في المجانةِ أغرَقـو

كذبوا متى كان التعرُّضُ للخنَا   *** شيئًا تعزُّ به الشعوب وتسبق

قومٌ تعاظم حِقدهم، واشتدَّ عُدوانهم، ليأتيَ على الفضيلة أعنفُه، وعلى الحِشمة أشنعُه، وعلى الطّهارة أبشعُه؛ نشؤُوا في حضنِ الإسلام، وتربَّوا في بلاده، فلمّا شبُّوا عن الطّوق، استساغوا علقمَ العِدا ،واستحبّوا العمَى على الهُدى، وحمَلوا معاولَ الهدمِ، ورفعوا لواءَ الكيدِ والمكر الصُّراح، فأيُّ خيرٍ يُرتجَى ممّن سبَق للعِدا رِقّه، وتعذّر فكُّه وعِتقُه؟! فهو الوكيلُ المكتَرى، والمملوكُ المشتَرى، والخادمُ المرتَضى.

فُسولُ الرجال، الغَشَشَة الضُّلاَّل، أثاروها زوبعة هوجاء، وخطّوها مقالاتٍ خَرقاء، ضدَّ المجتمعِ الطاهر، والمرأة المسلمة، لإسقاط حجابها، وتدنيسِ شرفها، وإنزالها في ميادينِ الرجال، وزجِّها في جميع الوظائفِ والأعمال، وتأسيس الاختلاط، وغَرس نبتتِه الخبيثة، ووضعِ لَبِنته النّجسة، فقطعها الله من أكفٍّ، وأخرسَها من ألسُن، وأخمدَها من أنفاس ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ .

أيّها المسلمون: لقد وضَع الإسلام سَدًّا منيعا، لحمايةِ المرأة من مُعابثة الفُسّاق، ومطامِع أهل الرِّيَب والنفاق، وستظلّ بالإسلام في إطارِ الشّرَف والفِخار، والإجلال والإكبار، درّةً مصونة، وزعيمة شريفة، وحرّة عفيفة، وشقيقة كريمة. حجابها جمالُها، وسِترها جلالُها، وجلبابُها عِزُّها وكمالُها، مِن الإسلام تستمدُّ هديَها، وبسنّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم تشقُّ طريقَها.

وليخسأْْ دعاةُ الافتراءِ المفضوح، وأنصار المذهب المقبوح، فلن تجنيَ المرأة من الاختلاطِ والظهور، والتكشُّف والحسُور، إلا النّظرات المتلطِّخة، والتحرّشات العابثة، والاعتداءات الفاحِشة، والكلالَ والنكالَ والوبال ﴿وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ .

أيّها المسلمون: لقد قامت هذه الدّعواتُ الآثمة، والشّعارات المضلِّلة في غابرٍ من الزّمن، في عددٍ من الأمصار والأقطار، ونجح مناصِروها في إنزال المرأة من قصرها المنيع، وحِصنها الرّفيع، فخلعت حجابَها، وغادرت حِصنها ومخدعَها، وتحرَّرت من كلِّ سلطان، وانطلقت في كلِّ مكان، وعملت في كلّ ميدان، فماذا كانت النتيجة؟! انحدار في أخسّ دركاتِ العبَثِ والفجور، وانغِماسٌ في أسفل دَركات الخلاعة والمجون.

الاختلاط ـ عباد الله ـ متعةٌ مُغرية، تجعل الشباب لا يفكر في الزواج، وتُفقِد المتزوج رابطَ الزوجية، وقد يتفارقان إلى أخدان وخليلات. وتكثر الشكوك والغيرة بين الأزواج، كما تكثر الخيانات الزوجية.

عباد الله: للاختلاط المحرّم في المجتمعات صورٌ، منها: اختلاط البنات مع أبناء العمومة ، وخلوّ خطيب الفتاة بها ، وذلك قبل العقد بحجة التعارف ومدارسة بعضهم بعضاً، خلوة المدرسين الخصوصيين بالطالبات بحجة التدريس، اختلاط النساء بالرجال في المعامل والصيدليات والمستشفيات والمكاتب، بدعوى ضرورة ذلك في العمل، خلو الطبيب بالمريضة من غير محرم لها، وما يسمَّى بالجلسات العائلية، في الأعياد والمناسبات، والتي يختلط فيها الرجال بالنساء .