محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

الجمعة : 1/4/1422هـ (18)

إن الحمد لله

فيا أيها المسلمون : اتقوا الله وراقبوه ، وأطيعوا أمره ولا تعصوه ، افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها ، وحد لكم حدوداً فلا تعتدوها .

إذا نطق الناطقون ، وهام العاشقون ، وجادت قرائح الشعراء ، ونطقت ألسن البلغاء ، وأجاد في وصفهم الأدباء ، أخرسهم قول أفضل البشرية ،و رسول رب البرية ، فعند البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين » محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شروط الإيمان ، وسبب لحصول حلاوته كما عند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار » محبته المحبة الشرعية سبب لمرافقته في الجنة ، فعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال « جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  المرء مع من أحب » رواه البخاري ، وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : متى الساعة ؟ قال « ما أعددت لها قال : ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ، ولكني أحب الله ورسوله ، قال : أنت مع من أحببت » رواه البخاري . وعند مسلم من حديث ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال : كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فآتيه بوضوئه وحاجته ، فقال لي : « سل فقلت : يا رسول الله : أسألك مرافقتك في الجنة ، فقال : أو غير ذلك قلت : هو ذاك ، قال فأعني على نفسك بكثرة السجود » فانظر إلى علو الهمة ، ونفاسة المطلب ، ما نظر إلى الدنيا وزخرفها ، ولا سكنت قلبه ببهرجها . ضرب أصحابه أروع الأمثلة ، في محبته ، فقد كانوا يقدمونه على الآباء فهذا عبدالله بن أبي بن سلول يمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظل أطم فقال عبر علينا ابن أبي كبشة فقال ابنه عبدالله يا رسول الله والذي أكرمك لئن شئت لآتينك برأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا ولكن بر أباك وأحسن صحبته »، وهذ أبو بكر يتجهز للهجرة فيمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً على رسلك لعل الله أن يجعل لك صاحباً ويأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر الظهيرة في ساعة لم يكن يأتيه فيها ، فقال أبو بكر فدى له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر ، قالت عائشة : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن : فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخرج من عندك ، فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال « فإني قد أذن لي في الخروج » فقال أبو بكر الصحبة بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ، فبكى أبو بكر رضي الله عنه ، تقول عائشة فما كنت أصدق أن أحداً يبكي من شدة الفرح إلا يوم ذاك .

ومن ذلك أن أنس بن النظر رضي الله عنه وجد عدداً من المسلمين جالسين في معركة أحد ، فقال ما أجلسكم ؟ قالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فما تصنعون بالحياة بعده ، قوموا فموتوا على ما مات عليه ، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل ، ووجد به سبعون ضربة ، وما عرفته إلا اخته بإبهامه . وهذا أبو سفيان – وهو يومئذ مشرك – يقول لزيد بن الدثنة – وقد قدم للقتل – أنشدك بالله يا زيد :

هل تحب أن محمداً مكانك ، تضرب عنقه وأنت في أهلك ، فقال له زيد ، والله ما أحب أن محمداً الآن مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة ، وأني جالس في أهلي ، فقال أبو سفيان : ما رأيت أحداً من الناس يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً

وهذا عمرو بن العاص وهو يجود بنفسه يبكي طويلاً ، ويحول رأسه إلى الجدار ، فيقول له ابنه : يا أبتاه : أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ، قال : فأقبل بوجهه فقال : إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، إني قد كنت على أطباق ثلاث ، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ، ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته ، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار ، فلما جعل الله الإسلام في قلبي ، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : أبسط يدك فلأبايعك ، فبسط يمينه ، قال فقبضت يدي ، قال : مالك يا عمرو ، قال : قلت : أردت أن أشترط ، قال : تشترط ماذا ، فقلت أن يغفر لي ، قال : « أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها ، وأن الحج يهدم ما قبله »، وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ، لأني لم أكن أملأ عيني منه ، لا إله إلا الله محبة وإجلال ، تضحية وفداء .﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ .

الخطبة الثانية :

الحمد لله

فهكذا كانوا فكن ، ( من كان مستناً فليستن بمن قد مات ، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة ، أبرها قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه ، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة ) .

يا من تشتاق إلى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، وتأمل لقياه ، يا من يحدوك الوجد إلى الأنس بمرافقته ، قد عرفت طريق صحبته ، فهل أنت لها سالك ، وقد بانت لك الجاده ، فهل أنت عليها سائر ، وقد اتضحت لك المعالم ، فهل أنت إليها قاصد .

محبة النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه ، محبته بالتحلي ، لا بالادعاء والتمني ، لو سئل مسلم فقيل أتحب النبي صلى الله عليه وسلم ؟لما تردد في الجواب ، ولما حادعن الصواب .

الدعاوى إذا لم يكن لها بينات فأهلها أدعياء ما دليل هذه المحبة ،

تعصي النبي وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع

لو كان حبك صادقأ ، ما تخلفت عن الصلاة ، وحبيبك صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت يقول « الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم »

لو كان حبك صادقأ ، ما غششت رعيتك ، وخنت أمانتك ، فاشتريت طبقاً يصب في بيتك ألخنا والفجور ، ويعلم نساءك التبرج والسفور ، وحبيبك صلى الله عليه وسلم يقول « ما من عبد يموت حين يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة »

لو كان حبك صادقاً ، ما استمعت إلى الحرام ، وحبيبك صلى الله عليه وسلم « ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف »

لو كان حبك صادقاً ، لأحسنت تربية رعيتك فقد قال حبيبك صلى الله عليه وسلم « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته »

لو كان حبك صادقاً ، ما أكلت الحرام وحبيبك صلى الله عليه وسلم يقول « يمد يديه إلى السماء ، يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام »

لو كان حبك صادقاً ، لأتمرت بأوامر حبيبك صلى الله عليه وسلم ، ولانتهيت عن نواهيه فقد قال ربك جل وعلا ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا 

أيها المسلمون : حق علينا الوقفة الصادقة ، محاسبة ومساءلة ، فوالله لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتجزون بما كنتم تعملون ، فجنة للمطيعين ، ونار للعاصين ﴿ أَفَمَن يُّلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَّأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ