فضل العشر الأواخر من رمضان

 

إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مِنْ يَهُدُّهُ اَللَّهُ ، فَلَا مُضِل لَهُ ، وَمِنْ يُضَلِّلُ ، فَلَا هَادِي لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾..

أُمًّا بَعْد.. فَإِنَّ خَيْرَ اَلْحَدِيثِ كِتَابَ اَللَّهِ ، وَخَيْرَ اَلْهَدْيِ هَدْيَ مُحَمَّدْ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرَّ اَلْأُمُورِ مُحْدَثَاتِهَا ، وَكُلَّ بِدْعَةِ ضَلَالَةِ


عِبَادَ اللهِ، كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا؛ حَيْثُ كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهَا ويكثر فيها من أنواع العبادة وَيَتَحَرَّى لَيْلَةَ الْقَدْرِ خِلَالَهَا؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ مِئْزَرَهُ وجَدَّ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

كِنَايَةٌ عَنِ الاِسْتِعْدَادِ لِلْعِبَادَةِ وَالْاِجْتِهَادِ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى الْمُعْتَادِ. وَقَدْ يَكُونُ كِنَايَةً عَنْ اعْتِزَالِ النِّسَاءِ وَتَرْكِ الْجِمَاعِ، وَاغْتِنَامِ الْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ.

 

فَيَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ الجِدُّ وَالْاِجْتِهَادُ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَأَلَّا يُضَيِّعَ سَاعَاتِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي فِي اللَّهْوِ وَالْعَبَثِ، أَوْ جَوْبِ الْأَسْوَاقِ؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ لَا يُدْرِكُهَا مَرةً أُخْرَى، بِاخْتِطَافِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ، وَمُفَرِّقِ الْجَمَاعَاتِ، فَحِينَئِذٍ يَنْدَمُ حَيْثُ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ.

 

وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْعَشْرِ؛ وُجُودُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِيهَا، وَهِيَ لَيْلَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 1-3].

قَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَقَدْ خَصَّ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِخَصَائِصَ:


مِنْهَا أَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ: جُمْلَةً وَاحِدَةً، مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ مِنَ السَّمَاءِ الدَّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ مُفَصَّلاً بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، عَلَى رَسُولِ اللهِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-.

 

ومنها أنه وَصْفَهَا بِأَنَّهَا خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾.

- وَوَصْفَهَا بِأَنَّهَا مُبَارَكَةٌ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ [الدخان: 3].

 

ومنها أنه - يَكْثُرُ تَنَزُّلُ الْمَلَائِكَةِ فِي هَذِه اللَّيْلَةِ؛ لِكِثْرَةِ بَرَكَتِهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ وَالرُّوحُ: هُوَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَقَدْ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ.


 ومنها - يَغْفِرُ اللهُ –تَعَالَى- لِمَنْ قَامَهَا إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 وَمَعْنَى: «إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً» أَيْ: تَصْدِيقاً بِوَعْدِ اللهِ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ، وَطَلَباً لِلْأَجْرِ لَا لِقَصْدٍ آَخَرَ مِنْ رِيَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ


فالْعِبَادَةِ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ في أكثر من ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَهَذَا فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَفِي هَذَا تَرْغِيبٌ لِلْمُسْلِمِ وَحَثٌّ لَهُ عَلَى قِيَامِهَا، وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللهِ بِذَلِكَ، وَلِذَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَيَتَحَرَّاهَا؛ مُسَابَقَةً مِنْهُ إِلَى الْخَيْرِ، وَهُوَ الْقُدْوَةُ لِلْأُمَّةِ وهي في العشر الأواخر من رمضان


وَإِنَّمَا أَخْفَى اللهُ –تَعَالَى- هَذِهِ اللَّيْلَةَ لِيْجَتَهِدَ الْعِبَادُ فِي طَلَبِهَا، وَيَجِدُّوا فِي الْعِبَادَةِ، كَمَا أَخْفَى سَاعَةَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا.

 

عِبَادَ اللهِ: يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَيَّامِ وَلَيَالِي هَذِهِ الْعَشْرِ فِي الدُّعَاءِ وَالتَضَرُّعِ إِلَى اللِه. قَالَتْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (رَوَاهُ التِّرمذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).


أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين

عباد الله ‏اتقو الله وراقبوه واطيعوا أمره ‏ولا تعصوه


يا اخوتاه ‏ ومن انفع ما يكون للقلب قطع العلائق عن الخلائق والانشغال بعبادة الخالق ولذلك كان رسولنا عليه الصلاة والسلام يعتكف في العشر الأواخر من رمضان

في كل سنة ويجتهد فيها أكثر من غيرها

 

فاجتهدوا رحمكم الله في العبادة في هذه الأيام الفاضلة من الصلاة والقيام والذكر وقراءة القرآن وغيرها من العبادات ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور واعلموا إنها أيام قلائل ثم تنقضي كما قال تعالى ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.

فأروا الله من أنفسكم خيرا

أروا الله من أنفسكم خيرا

اروا الله من أنفسكم خيرا

 فإن المحروم من حرم الخير في هذه الأيام

ونحن لا نعلم هل ندركها فيما بعد أو لا

فاللهم أعننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين


اَللَّهُمَّ أَعَزّ اَلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَذَلَّ اَلشِّرْكُ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمَّرَ أَعْدَاءُ اَلدِّينِ وَانْصُرْ عِبَادَكَ اَلْمُوَحِّدِينَ اَللَّهُمَّ اِحْفَظْ عَلَيْنَا اَلْأَمْنُ


 اَللَّهُمَّ اِدْفَعْ عَنَّا اَلْغَلَاءُ وَالْوَبَاءُ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلُ وَالْمِحَنُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْنٌ عَنْ بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ اَلْمُسْلِمِينَ


اَللَّهُمَّ وَفْق إِمَامِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَارْزُقْهُمْ اَلْبِطَانَةَ اَلصَّالِحَةَ اَلنَّاصِحَةَ يَا ربْ اَلْعَالَمَيْنِ اَللَّهُمَّ أُصْلِحَ أَحْوَالُنَا وَأَحْوَالُ اَلْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَرَدَنَا وَإِيَّاهُمْ إِلَى دِينكْ رَدًّا جَمِيلاً


(اِرْفَعْ يَدَيْكَ) اَللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اَللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اَللَّهُمَّ أَغِثْنَا اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسَلَّمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ اَلْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتُ رَبُّنَا هَبَّ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ وَآخَرَ دَعَوَاتُنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ