تدبر القرآن

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

أما بعد.. فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ ﷺ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


قال ربنا تعالى معاتباً ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾

قال ابن مسعود رضي اللّه عنه: «ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا اللّه بهذه الآية: إلا أربع سنين» رواه مسلم

يقول تعالى: أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه، أي تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن، فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه


وقال تعالى ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

أي فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته، لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع وتصدع من خوف اللّه عزَّ وجلَّ، فكيف يليق بكم يا أيها البشر أن لا تلين قلوبكم، وتخشع وتتصدع من خشية اللّه، وقد فهمتم عن اللّه أمره وتدبرتم كتابه؟


ولما كان كفار قريش أهل فصاحة وبلاغة كانوا يتأثرون بسماع كلام الله ولكن منعهم الكبر من اتباعه


اجتمعت قريش يوماً فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة، فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الكهانة والشعر والسحر، وعلمت من ذلك علما لا يخفى علي إن كان كذلك. فقالوا: إيته فحدثه. فأتى النبي ﷺ فقال له: يا محمد أنت خير أم قصي بن كلاب؟ أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فبم تشتم آلهتنا، وتضلل آباءنا، وتسفه أحلامنا، وتذم ديننا؟


فإن كنت إنما تريد الرياسة عقدنا إليك ألويتنا فكنت رئيسنا ما بقيت، وإن كنت تريد الباءة زوجناك عشر نساء من أي بنات قريش شئت، وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا من الجن قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا في طلب ما تتداوى به أو نغلب فيك.

والنبي ﷺ ساكت، فلما فرغ قال: قد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. فقال: يا ابن أخي اسمع

قال: أسمع.

قال: «بسم الله الرحمن الرحيم ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾».

إلى أن بلغ قوله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ فخاف عتبه خوفا شديدا ووثب ووضع يده على فم النبي ﷺ، وقال ناشدتك الله والرحم أن تكف


فلما قطع رسول الله ﷺ القراءة قال له: يا أبا الوليد قد سمعت الذي قرأت عليك فأنت وذاك فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها فقالوا: والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم. ثم قالوا: ما وراءك أبا الوليد؟ قال: والله لقد سمعت كلاما من محمد ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالكهانة، فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي، خلوا محمدا وشأنه واعتزلوه، فوالله ليكونن لما سمعت من كلامه نبأ، فإن أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم، وإن كان ملكا أو نبيا كنتم أسعد الناس به؛ لأن ملكه ملككم وشرفه شرفكم. فقالوا: هيهات! سحرك محمد يا أبا الوليد. وقال: هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم.


فاللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم وارزقنا تلاوته والعمل به على الوجه الذي يرضيك عنا

الخطبة الثانية

 الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين

عباد الله

فكم في القرآن من آيات تصدعت لها القلوب، ورقت لها العيون، ووجلت لأجلها الأفئدة، قدم جبير بن مطعم بقلب غليظ، امتلأ بحب الأصنام، والتعلق بعلائق الشرك، يريد أن يكلم النبي ﷺ في فداء أسارى بدر، فوافى النبي ﷺ وهو يقرأ في صلاة المغرب سورة الطور حتى بلغ قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ فقال: «كاد قلبي أن يطير، وكأنما صَدَع قلبي» أي: قارب قلبي أن يخرج من مكانه متصدعا؛ لما تضمنته الآية من بليغ الحجة، وقوة المقارعة، وعظيم البلاغة والإيجاز


فاللهمَّ إنا عبيدُك بنو عبيدِك بنو إمائك نواصينا بيدِك ماضٍ فينا حُكمُك عَدْلٌ فينا قضاؤُك نسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أوْ علَّمْتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو أنزلته في كتابِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلوبنا ونورَ صدورنا وجلاءَ احزاننا وذهابَ هَمِّومنا


اللهم أعز الإسلام والمسلمين

وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

‏اللهم احفظ علينا الأمن


اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء

والربا والزنا والزلازل والمحن

ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين


اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين


اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا


(ارفع يديك)

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا


اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين