من أهوال يوم القيامة

 

إن الحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،


﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أما بعد.. فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


بِسمِ اللَّهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ.  ﴿يٰأَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السّاعَةِ شَيءٌ عَظيمٌ * يَومَ تَرَونَها تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَملٍ حَملَها وَتَرَى النّاسَ سُكٰرىٰ وَما هُم بِسُكٰرىٰ وَلٰكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَديدٌ﴾


قال البخاري عند تفسير هذه الآية، عن أبي سعيد الخدري قال، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: «يقول اللّه تعالى يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت إن اللّه يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف - أراه قال - تسعمائة وتسعة وتسعون، فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾)، فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: «من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد، أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة» فكبرنا، ثم قال: «ثلث أهل الجنة»، فكبرنا، ثم قال: «شطر أهل الجنة»، فكبرنا» أخرجه البخاري ومسلم


وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟!»، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ» أخرجه البخاري ومسلم


يا إخوتاه يوم القيامة يوم عظيم فيه أهوالٌ جسام ومواقف عظام سيُعاينها العباد، ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ أي أمر عظيم وخطب جليل، والزلزال هو ما يحصل للنفوس من الرعب والفزع


ومبدأ ذلك -عباد الله- نفخة الصعق يأمر الله تعالى اسرافيل بالنفخ في الصور فينفخ في الصور نفخة عظيمة فيُصعق العباد ولا يبقى أحدٌ من الناس به حياة ويتكاملون موتى، ثم من بعده هذه النفخة بأربعين تكون نفخةٌ أخرى يقوم الناس على إثْرها لرب العالمين،


قال ربنا جل وعلا مذكراً عباده: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾


في ذلك اليوم العظيم يوم يُحشر العباد ويقفون في ذلك المشهد العصيب وتدنو منهم الشمس فيفزع الناس طالبين من الأنبياء أن يشفعوا لهم عند الله بأن يبدأ بالجزاء والحساب، وكلما أتوا نبيًا اعتذر وأحالهم إلى آخر، إلى أن يحيلهم عيسى عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول «أنا لها» ويخر ساجدًا تحت عرش الرحمن ويحمد الله بمحامد يعلِّمه الله إياها في ذلك الوقت، ثم يقول الله له: «ارفع رأسك، وسل تُعط، واشفع تشفَّع»


وحينئذ يجيء الرب جل جلاله للفصل بين العباد ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ أي صفوف مطوِّقين بالعباد ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ [الفجر:21-23] وجاء في الحديث أن الذي يأتي بها ملائكة يأمرهم الله عز وجل بسحبها إلى أرض المحشر، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا».


فاللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال

 


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين اما بعد

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾


عباد الله ها قد وعظمنا ربنا الرحمن بهذه الموعظة العظيمة وبين لنا أن من أعظم أسباب النجاة من كرب يوم القيامة  تقوى الله وخشيته والخوف من ذلك اليوم بفعل اوامره وترك نواهيه ذلك اليوم الذي لو أراد الانسان أن يفدي ولده بنفسه لما قبل منه، وكذلك الولد لو أراد فداء والده بنفسه لم يقبل منه، ثم جاءت الموعظة من ربنا جل وعلا : ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أي لا تلهينكم بالطمأنينة فيها عن الدار الآخرة، ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ يعني الشيطان فإنه يغر ابن آدم ويعده ويمنيه ،ويبعده عن ربه وما يعدهم الشيطان إلا غروراً

فإن الشيطان يتبرأ منه يوم القيامة ويقول ﴿فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾


فاللهم ارزقنا الاستعداد لما أمامنا وارزقنا تقواك وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم انج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان اللهم اجعل لهم فرجا ومخرجا

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء.  والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والأموات


(ارفع يديك)

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا

اللَّهمَّ أنتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الغَنيُّ ونحنُ الفقراءُ أنزِلْ علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَ لَنا قُوَّةً وبلاغًا إلى حينٍ

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين


ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة وقنا عذاب النار

عِبَادَ اللهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ. ‏