الرؤى والمنامات

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أما بعد.. فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


عباد الله

من عجائب صنع الله تعالى وأوضح الأدلة على عظيم قدرته: الرؤى والمنامات، فهي عالم من الأسرار والعجائب

أما الرؤيا الصالحة فهي من المبشرات قَالَ رَسُولَ الله ﷺ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ» قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ». أخرجاه في الصحيحين


وأصدق الناس حديثاً أصدقهم رؤيا

والرؤى والمنامات أنواع، قال رسول ﷺ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا المسلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا المُسلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ».


فالرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ من المبشرات، وَالخُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فكيف نتعامل مع الحلم الذي نكرهه؟ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِتْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ»، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رحمه الله: «إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا».


فليس كل ما يُرى يُذكر، جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ: «لَا تحدث الناس بتلعّب الشَّيْطَانِ بِكَ فِي المَنَامِ» رواه مسلم.


عِبَادَ الله، إن الرُّؤْيَا من الوحي، والوحي لا يُخَاضُ فيه إلا بعلم، لا بخَرْص وظن وتخمين، قيل للإمام مَالِكِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ!

ثُمَّ قَالَ: لَا يَعْبُرُ الرُّؤْيَا إِلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا)


عباد الله الرؤى والمنامات لا يُبنى عليها حكم، ولا يؤخذ منها تشريع.

ولا يرَبْطُ النَّاسِ بِالأَحْلَامِ وَالْمَنَامَاتِ، وَلا تُعْلَّقُ القُلُوبِ بِهَا وَلا يّصْدَرُ الْأَحْكَامِ مِنْهَا.

وَقد ضَلَّت طَائِفَةٌ فَجَعَلَتْ مِنَ الرُّؤْيَا وَالْمَنَامَاتِ مَصْدَرًا لِتَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ وَعَدَمِ القِيَامِ بِالأَعْمَالِ، بل ارتكب كثير من المعبرين مجازفات في تأويل الرؤى حتى تقطعت بسببهم أرحام، ووقعت عداوات، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


ومن الجناية؛ من يَعْبُرُ أحلامًا ومنامات ويجعلها مُسَلَّماتٍ غير قابلة للرد في أمور عامة يتعلق بالدول والمجتمعات.

ومما يؤسف له أن بعضهم جعل من تعبير الرؤى صنعة استرزاق.

يا عباد الله يجب أن نؤمن ونوقن، أن الغيب لا يعلمه إلا الله، قال تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾.


وأَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرُّوَى لَا يُحْتَجُ بِهَا، والعاقل لا يتعلق بها، والمؤمن لا يخشى منها، كَانَ ابْنُ سِيرِينَ رحمه الله يُسْأَلُ عَنْ مِائَةِ رُؤْيَا فَلَا يُجِيبُ فِيهَا بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: (اتَّقِ اللَّهَ وَأَحْسِنْ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا رَأَيْتَ فِي النَّوْمِ).

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (الرُّؤْيَا تَسُرُّ الْمُؤْمِنَ وَلَا تَغُرُّهُ).


بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَاسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.


 

الخطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيداً أَمَّا بَعْدُ:


فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وأحسنوا في يقظتكم، ولا تتعلقوا بالمنامات، واجتهدوا في الطاعات وانتبهوا من بعض أصحاب المعرفات في برنامج التواصلات والفضائيات ممن يدعي تعبير الرؤى، فإن بعضهم جعل التعبير سُلَّما للشهرة، وكسباً للأموال، فلا تُسْلِمُوا عقولكم لهم، وانتبهوا منهم.


وعلى المعبرين تقوى الله والخوف منه، فقد نص جمع من أهل العلم أنه لا يَجُوزُ تَعْبِيرُ الرُّؤى بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فِي كُتُبِ تَفْسِيرِها، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهم، بل ذكروا أنه يَجُوزُ تَعْبِيرُهَا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أُصُولَ التَّعْبِيرِ، وَهُوَ الْكِتَابُ

وَالسُّنَّةُ وَكَلَامُ الْعَرَبِ وَأَشْعَارُهُمْ وَأَمْثَالهُمْ، وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَصَلَاحُ وَفِرَاسَةٌ، فأين هذه من معرفات مجهول أصحابها.


عِبَادَ الله، ومن المحرمات أن يَكْذِبَ المرء على منامه، قال رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ». فاتقوا الله عباد الله واحذروا من الكذب يقظة أو مناما


اللهم أعز الإسلام والمسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم مكن لأهل التوحيد والسنة في كل مكان اللهم اجعل لهم فرجا ومخرجا

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء.  والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والأموات

(ارفع يديك)

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين