قصة نوح عليه السلام (2)

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أما بعد.. فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


عباد الله مر علينا في خطبة مضت جزءاً من قصة نوح عليه السلام

وأنه لما ظهر الشرك في الأرض وعم البلاء بعبادة غير الله؛ بعث الله عبده ورسوله نوحا -عليه السلام-؛ يدعو إلى التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، وينهى عن الشرك وعبادة ما سواه، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض.


وأنه دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار، والسر والإجهار، بالترغيب تارة والترهيب أخرى، وكل هذا لم ينجح فيهم؛ بل استمر أكثرهم على الشرك والضلالة والطغيان ولم يؤمن معه إلا قليل ولما أكثر نوح -عليه السلام- من نصح قومه وقفوا في وجهه: ﴿قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾


فلما استعصوا عليه، استغاث بربه طالبا النصر منه عليهم، كما قال الله: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: 10]، فعند ذلك أوحى الله -تعالى- إليه: ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: 36]، فلا تحزن عليهم ولا يَهُمَّنك أمرهم


فلما أيس نوح من إيمانهم، وخاف على إيمان الذين معه؛ حيث كانوا يسعون في إفساد من آمن، ويصدون عن سبيل الله لجأ إلى ربه ﴿وَقالَ نوحٌ رَبِّ لا تَذَر عَلَى الأَرضِ مِنَ الكٰفِرينَ دَيّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرهُم يُضِلّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدوا إِلّا فاجِرًا كَفّارً﴾


ثم أمره الله أن يستعد للنجاة من العذاب وذلك بصنع الفلك، يعني: السفينة بمرأى من الله وتأييد، وتعليم في كيفية صناعتها

وأخذ نوح -عليه السلام- في صناعة السفينة في أرض صحراء قاحلة لا يوجد بها أنهار ولا بحار!؛ ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ. قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾


وقد جعل الله له آية تدله على وقت وقوع العذاب، وعندها يسرع في ركوب السفينة، ومن أمر بإركابهم معه، كما قال -تعالى-: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: 40]، فكان الموعد نزول الأمطار المتتابعة، والهَتَّان الذي لا يُقْلع ولا يَفتُر: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر:11 -12].


وقوله: ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾؛ قال ابن عباس: "التنور: وجه الأرض، أي: صارت الأرض عيونا تفور حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار، صارت تفور ماء"،


فحينئذ أمر الله نوحا -عليه السلام-، أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين؛ من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح، قيل: وغيرها من النباتات اثنين ذكرا وأنثى؛ ﴿وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾؛ أي: واحمل فيها أهلك، وهم أهل بيته وقرابته، إلا من سبق عليه القول منهم، ممن لم يؤمن بالله، فكان منهم ابنه "يام" الذي انعزل وحده، وامرأة نوح؛ وكانت كافرة بالله ورسوله.


حتى إن نوحا لما رأى ابنه وهو يولي هاربا وهو الابن الرابع، واسمه "يام" قال له: "يا بني اركب معنا"؛ أي: آمن وكن من الناجين، فرفض الابن الكافر دعوة أبيه، و ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾

﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾: ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: 43]، فلم ينج من عذاب الله أحد، ممن قضى الله عليهم بالهلاك لما وقع العذاب


ولما طهر الله الأرض من الشرك وأهله، أذن بزوال العذاب، فأمر الأرض أن تبلع ماءها الذي نبع منها واجتمع عليها، وأمر السماء أن تُقلعَ عن المطر، فقال -سبحانه-: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ فرست السفينة على جبل يقال له: الجودي،

قال قتادة: "استوت عليه شهرا حتى نزلوا منها" كما قال -تعالى-: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾

فاللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان وردنا واياهم الى دينك الحق ردا جميلا يا ارحم الراحمين

 


الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ على تَوْفِيْقِهِ وامْتِنَانِه، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله تعظما لشأنه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه الداعي الى رضوانه. أما بعد، فاتقوا الله معاشر المسلمين،


عباد الله وفي قصة نوح عبر ودروس منها:

أن عذاب الله إذا انعقدت أسبابه فلا راد له، ولا تقبل فيه الشفاعات

ومنها أن الهداية بيد الله عز وجل وهو أعلم بمن يستحقها

‏فنوح عليه السلام ‏وهو نبي لم يستطع هداية زوجته وابنه فمات على الكفر

ومنها كمال قدرة الله -جل جلاله-، حيث أغرق أهل الأرض كلهم بجند من جنده وهو المطر.


اللهم اعز الاسلام والمسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم انج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان واجعل لهم فرجا ومخرجا عاجلا غير اجل


اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين اللهم وانصر بهم دينك  

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا

‏اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء

والربا والزنا والزلازل والمحن

وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وسائر بلاد المسلمين

ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما

(ارفع يديك)

اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين


ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين