الامتحان الحقيقي

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أما بعد.. فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


عِبَادَ الله: في أَيَّامِ الاِخْتِبَارَات، تُعْلَنُ حَالَةُ الطَّوَارِئ؛ لِيَسْتَعِدَّ الطُلَّابُ للاِمْتِحَانات، وفي هذَا عِبْرَةٌ وعِظَةٌ؛ لِلْتَّذْكِيْرِ بالامتحان العظيم الامتحان الحقيقي قي الآخِرَةِ، فقَدْ أَقْسَمَ اللهُ بِذَاتِهِ العَلِيَّة، على أَنَّهُ سَيَتَوَلَّى امْتِحَانَنا قال ربنا ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.


وقَدْ خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ؛ لِلْاِبْتِلَاءِ والاِمْتِحَان، والمُوَفَّقُ: مَنِ نجا وأحسن العمل قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.


وأول امتحان عظيم في الآخرة يكون بعد الموت

حِيْنَ يُوضَعُ العبد في قَبْرِهِ وَحِيْدًا فَرِيْدًا، فيأتيه الملكان منكر ونكير فيسألانه

(1- مَنْ رَبُّكَ؟    2- ما دِيْنُكَ؟             3- مَنْ نَبِيُّكَ؟)

فالناجي هو من ثبته الله عند السؤال فيقول: «رَبِّيَ الله، ودِيْنِي الإِسْلَام، ونَبِيّ مُحَمَّد»، ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ﴾،

فاللهم ثبتنا بالقول الثابت

وأَمَّا الكَافِرُ والمُنَافِقُ فيقول: «هاه هاه لا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُه!»، فَيُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيْدٍ، فَيَصِيْحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيءٍ إِلَّا الإِنْسَان، ولَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ لَصُعِق!


ولِهَذَا كانَ النبيُّ ﷺ إذا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ؛ وقَفَ عَلَيْهِ وقال: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيْكُمْ، وسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ؛ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ!». ومَنْ نجا من هذا الاِمْتِحَان؛ فَمَا بَعْدَهَ أَيْسَرُ مِنْهَ!

ولذلك كانَ عُثمانُ بنُ عفَّانَ رضي الله عنه إذا وَقفَ على قَبرٍ يبكي حتَّى يبَلَّ لحيتَهُ، فقيلَ لَهُ: تذكرُ الجنَّةَ والنَّارَ، ولا تبكي، وتَبكي مِن هذا؟ قالَ: إنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ، قالَ: إنَّ القبرَ أوَّلُ مَنازلِ الآخرةِ، فإن نجا منهُ، فما بعدَهُ أيسرُ منهُ، وإن لم يَنجُ منهُ، فما بعدَهُ أشدُّ منهُ قالَ: وقالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: ما رأيتُ مَنظرًا قطُّ إلَّا والقَبرُ أفظَعُ منهُ


ومما يمتحن به الإنسان يوم القيامة: السُّؤَالُ عَنِ (الصَّلَاةِ): هَلْ حَافَظْ عَلَيْهَا أم ضَيَّعْها ؟! قال ﷺ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ: فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ».

ومَنْ أَيْقَظَ أَوْلادَهُ لِلْمَدْرَسَةِ، ولم يُوْقِظْهُمْ لِلصَّلَاة؛ فَقَدْ قَدَّمَ النَّجَاحَ المُؤَقَّتَ الفَانِي، على النَّجَاحِ السَّرْمَدِيِّ البَاقِي، وعَرَّضَ أَوْلَادَهُ للعذاب في الآخرة


ومما يمتحن به الإنسان يوم القيامة: هذه الأسئلة

قال ﷺ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ؟ وعَنْ مَالِهِ: مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ ومَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟».


ومما يمتحن به الإنسان يوم القيامة عَنِ(الرَّعِيَّةِ) الَّتِي تَحْتَ يَدَيْكَ: هَلْ قُمْتَ بِمَسْؤُوْلِيَّتِهَا أَمْ فَرَّطَّتَ فيها؟! قال ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا ومَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، والخَادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».


ومما يمتحن به الإنسان يوم القيامة: السؤالُ عَنِ (النَّعِيم)؛ قال ربنا جل وعلا: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾: أي (الَّذِي تَنَعَّمْتُمْ بِهِ في دَارِ الدُّنيا: هَلْ قُمْتُمْ بِشُكْرِه، وأَدَّيْتُمْ حَقَّ اللهِ فيه، ولم تَسْتَعِيْنُوا به على مَعَاصِيه؟ أَمِ اغْتَرَرْتُمْ بِهِ، ولم تَقُوْمُوا بِشُكْرِه؟ بَلْ رُبَّمَا اسْتَعَنْتُمْ بِهِ على مَعَاصِي الله!).


ومما يمتحن به الإنسان يوم القيامة: السُّؤَالُ عَنِ (السمع والبصر والقلب)؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ ونِعْمَةٌ يُسْأَلُ عنها صَاحِبُهَا: هَلِ اسْتَعْمَلَهَا في الطَّاعَاتِ والمُبَاحَات؟ أَمْ في المَعَاصِي والمُنْكَرَات؟ قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.


أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 


الخُطْبَةُ الثَّانِيَة

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ على تَوْفِيْقِهِ وامْتِنَانِه، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله تعظما لشأنه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه الداعي الى رضوانه.

أَمَّا بَعْدُ.. يا إخوتاه

حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَحَاسَبُوا، وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ على اللهِ! ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خافِيَة﴾.

ومَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدُّنيا: خَفَّ عليه الحساب يوم القِيَامَةِ ﴿واتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.


يا عباد الله ونَتِيْجَةُ امتحان الآخرة: إِمَّا إلى جَنَّةٍ نَعِيمُهَا مُقِيْم، أو إلى نَارٍ عَذَابُهَا أَلِيم! فَبَادِرْ مِنَ الآن، وخَطِّطْ لِمُسْتَقْبَلِكَ وحَيَاتِكَ الدائمة في الآخِرَة، قَبْلَ أَنْ تَقُولَ: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِيْ﴾.


فاللهم ألهمنا رشدنا ووفقنا لما تحب وترضى ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْن، الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّين: أَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلى يومِ الدِّين.


* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين، واقْضِ الدَّينَ عَنِ المَدِيْنِين.

* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ (ولِيَّ أَمْرِنَا ووَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.


* (ارفع يديك)

اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الغَنِيُّ ونَحْنُ الفُقَرَاء؛ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ ولا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِيْنَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.

ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار


* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.