وصايا لقمان

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

أما بعد.. فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


رجل صالح، وولي من أولياء الله، وهبه الله -جلّ وعلا- الحكمة؛ لأنه كان صادقًا مع الله في أقواله وأعماله، جادًا في التقرب إلى الله -عز وجل-

شاكراً لنعم الله

وإن من عظيم مكانة هذا العبد ورفيع شأنه أن الله -عز وجل- ذكر لنا في القرآن خبره، وأنبأنا عن وصيته لابنه، وموعظته البليغة لولده وفلذة كبده، وما أعظمها من موعظة!!


موعظة رقيقة فيها المحبة والحنان والرفق واللين حتى يقتدي بها الآباء والمربون

فأنصت اليها

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ هذه أول وصية وأعظم موعظة وهي التحذير من الشرك وبيان خطرة وأنه أعظم جريمة وأعظم الظلم لأنه اعتداء على حق الله عز وجل في العبادة فإن العبادة حق لله عز وجل وحده لا شريك له لأنه هو الخالق الرازق المدبر للكون ومن فيه


‏ ثم ذكّره بأعظم الحقوق بعد حق الله عز وجل وهو بر الوالدين والإحسان إليهما غاية الإحسان وتذكر المشقة التي مرت بهما في تربيته وفضلهما وشكرهما

﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾


﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ أي وإن كانا مشركين وحرصا عليك كل الحرص، على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك من الإحسان إليهما واتبع سبيل أهل الإيمان


ثم ذكّر ابنه بعظمة الله وسعة علمه وتمام خبرته وكمال قدرته فقال ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ﴾: التي هي أصغر الأشياء وأحقرها ﴿فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ﴾؛ أي: في وسطها، ﴿أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ﴾: في أي جهة من جهاتهما؛ ﴿يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾: لكمال علمه وعظمته، ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾

والمقصود من هذا الحث على مراقبة الله والعمل بطاعته، والترهيب من عمل القبيح قلَّ أو كثر.


ثم وصّاه بأعظم أمر بعد التوحيد فقال: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ أي بحدودها وفروضها وأوقاتها، ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ أي بحسب طاقتك وجهدك، ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾ لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر، وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ أي أن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور


ثم أوصاه بحسن الخلق والتواضع مع الناس وعدم التكبر عليهم

فقال: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ يقول: لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقاراً منك لهم واستكباراً عليهم، ولكن أَلِنْ جانبك وابسط وجهك إليهم، كما جاء في الحديث: «ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط»، قال ابن عباس يقول: لا تتكبر فتحتقر عباد اللّه وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك،


﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ أي خيلاء متكبراً جباراً عنيداً، لا تفعل ذلك فيبغضك اللّه، ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ أي مختال معجب بنفسه ﴿فَخُورٍ﴾ أي على غيره،

﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِك﴾ أي امش مقتصدا مشياً متواضعا مستكينا لا مَشْيَ البطر والتكبر، ولا مشي التماوت.

﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ أي لا تبالغ في رفع صوتك

﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ أي إن أقبح الأصوات لصوت الحمير، أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى اللّه تعالى،


فاللهم بارك لنا في القرآن والسنة وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة

اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ورسائل المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور رحيم

 


الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله الا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين


عباد الله وهذه الوصايا، التي وصى بها لقمان لابنه، تجمع أمهات الحكم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها، إن كانت أمرا، وإلى تركها إن كانت نهيا.

فحري بنا الاقتداء بالصالحين

في نصحهم وتوجيههم واسلوبهم فاللهم أصلح أعمالنا ونياتنا وذرياتنا


اللهم اعز الاسلام والمسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين