أمراض القلوب

 

الحمد لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضلَّ الضالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، أحمده -تعالى- وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فإنَّ الاهتمام بشأنِ القلوب وإصلاحِها كان من دأب الصالحين؛ وذلك لمنزلة القلب من الأعضاء؛ حيث إنه بالنسبة إليها كالمَلِك بالنسبة للجنود، فإذا استقام استقامت وإذا زاغ فسدت وزاغت، فهي تابعة له على كل حال، تميل معه حيث مَال، وقد نبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك فقال: «ألا وإنَّ في الجسد مضغةً، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».


ولما علم عدوُّ الله إبليس هذه الحقيقة وتيقَّن منها، أقبل على القلوب بأنواع الوساوس والشبهات، وزيَّن لها الباطل والشهوات، ليصدّها عن السبيل القويم والصراط المستقيم، ولا زال يعمل جاهدًا في سبيل تحقيق غايته بإفساد القلب وصدِّه عن الحق؛ فإن عجز عن ذلك نصب له من الحِيَل والمكائد ما يُؤخّره به عن بلوغ الكمال، حتى يجد المسلم نفسه بعد ذلك في جهاد شاقّ، وعناء مستمر، يتلمّس أسباب النجاة، ولن يجدها، إلا إذا استعان بالله، والتجأ إلى خالقه ومولاه، وأقبل عليه إقبالَ الخائف الذليل، الذي يخشى أن ينصرف قلبه عن الهدى، فيضيع في مهاوي الردى.


ولعلمه بأحوال القلوب وما يعرض لها، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أشد الناس إيمانًا وثباتًا يدعو الله -تعالى- أنْ يثبِّت قلبه على الحق والدين، قال أنس -رضي الله عنه-: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك»، فقلت: يا نبي الله، آمنّا بك وبما جئتَ به، فهل تخاف علينا؟ قال: «نعم، إنَّ القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلِّبُها كيف يشاء».


فإن أراد اللهُ بعبده خيرًا، فتح له أبواب التوفيق، وهدى قلبه إلى الصلاح، فاكتسب من العلم النافع والعمل الصالح ما فيه حياة قلبه، وإنْ عمد إلى العمل السيِّئ كان ذلك دليلاً على فساد قلبه، فتراه يتخبّط في الظلمات، ويزداد مرضًا إلى مرضٍ حتى يموت ولا يبقى فيه حياة ولا نور.


وهذه القلوب، ما دامت تنبض بها الحياة، فإنها مُعَرَّضة للأمراض والآفات، وفتنِ الشبهات والشهوات، والناجي منها من نَجَّاه الله -عز وجل-، قال -صلى الله عليه وسلم-: «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عُودًا عودًا، فأيُّ قلب أشربها نُكتت فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نُكتت فيه نُكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين: على أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مُربَادًّا كالكوز مجخِّيًا لا يعرف مَعروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرِب من هواه»، أي: يكون مائلاً عن الاستقامة والاعتدال، فشبَّه القلب الذي لا يعي خيرًا بالكوب المائل الذي لا يثبت فيه شيءٌ.


هذا وإنَّ أمراض القلب كثيرة، وأعظمها: الشرك بالله والتعلق بالمخلوقين


ومن أمراض القلوب: البدع والبعد عن السنن والحزبية المقيتة


ومنها: الرياء وفساد القصد والنية، وهذا من أخطر ما يضر القلبَ ويفسدُه؛ حيث يعمل المرءُ العمل الصالح ويحبُّ أن يُمدَح عليه، أو أن يحسِّن عمله لما يرى من نظر الناس إليه


ومن أعظم أسباب فساد النية والقصد: حبُّ الرئاسة والتصدر، والاجتهاد في حب الظهور بكل وسيلة وسبيل، حتى لو كان ذلك عن طريق الإفك والباطل


ومن أسباب مرض القلوب: تعاطي المعاصي والذنوب حتى تصرف القلب عن صحته واستقامته، فلا يزال مريضًا معلولاً لا ينتفع بالأدوية التي فيها حياته وصلاحه


ومن أمراض القلوبِ: حسدُ الناس على ما آتاهم الله من فضله، فتجد الحاسدَ أضيقَ الناس عيشًا وأبأسهم حالاً، يغتمُّ إذا أُعطي المحسود، ويفرح إذا زالت عنه النعمة، وكأنه يحاسب الله على قضائه وقدره، فيقودُه ذلك إلى كفرِ نعمة الله عليه والتسخطِ على أقداره،


بارك الله لي ولكم ….

 


الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.


ومن أعظم ما يعالج فيه المسلم قسوةَ قلبه:

التوحيد وتعلُّق القلب بالله -تعالى- محبة وتعظيما وخوفا ورجاءً


ومنها: الإكثارُ من ذكر الله؛ وذلك أنَّ القلب إذا استولت عليه الغفلةُ اشتدت به القسوة، فإذا ذكَرَ الله -تعالى- ذابت تلك القسوة


ومن علاج قسوة القلب: النظرُ في حال الضعفاء


ومما يعالج المرءُ به قسوةَ قلبه: تذكر الله والدار الآخرة، والبكاء على الذنوب والمعاصي التي جناها، ولا يعلم ما الله فاعلٌ بها.


فاللهم أصلح قلوبنا واعمالنا واغفر زللنا وخطايانا.


اللهم اعز الاسلام والمسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين