قصة موسى عليه السلام

إن الحمد لله…

وأشهد أن لا إله إلا الله …..

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

أما بعد.. فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ ﷺ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾

إن فرعون علا في الأرض، وجعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل، الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب عليه السلام، وكانوا في ذلك الوقت خيارَ أهل الأرض، فكان فرعونُ يستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع،

ويقتل مع هذا أبناءهم، ويستحيي نساءهم، إهانة لهم واحتقاراً وخوفاً من أن يوجد منهم غلام يكون سببُ هلاكِه وذهابُ دولتِه على يديه، فاحترز فرعونُ من ذلك أشد الاحتراز حتى أمر بقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل في سنة ويبقيهم سنة

وفي السنة التي يقتلون فيها الولدان وُلد موسى عليه السلام فلما حملت أمُ موسى به عليه السلام لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها ولم يفطنوا لها ولما وضعته ذكراً ضاقت به ذرعاً، وخافت عليه خوفاً شديداً

فأُلهمت في سرها ونُفث في روعها، كما قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل، فاتخذت تابوتاً ومهدت فيه مهداً، وجعلت ترضع ولدها، فلما دخل عليها أحد ممن تخافه ذهبت فوضعته في ذلك التابوت، وأرسلته في البحر، وذهلت أن تربطه، فذهب مع الماء واحتمله حتى مر به على دار فرعون فالتقطه الجواري، فاحتملنه فذهبن به إلى امرأة فرعون ولا يدرين ما فيه، فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسنِ الخلْق وأجملِه وأحلاه وأبهاه، فأوقع اللّه محبتَه في قلبها حين نظرت إليه، وذلك لسعادتها وما أراد اللّه من كرامتها وشقاوة بعلها.

الله أكبر، أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الإله العظيم الذي لا يخالف أمره ولا يغلب، بل نفذ حكمه بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفاً من الولدان، إنما منشؤه ومرباه على فراشك، وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وأنت تربيه وتدللـه وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه، لتعلم أن رب السماوات العلا هو القاهر العظيم، القوي العزيز الشديد المحال الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

ولما بلغ موسى أشده واستوى آتاه اللّه حكماً وعلماً وهي النبوة

وأرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه بالآيات البينات، والحجج الواضحات، الدالة على صدقه ونبوته، ودعاه إلى عبادة الله تعالى وتوحيده، فأنكر فرعون الربَ العظيم بقوله : ﴿وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ﴾ فأجاب موسى عليه السلام : ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ فقال فرعون لمن حولَه ساخراً بموسى عليه السلام ﴿أَلاَ تَسْتَمِعُونَ﴾ فذكَّره موسى بأصله، وأنه مخلوق من العدم، وصائر إلى الزوال والفناء فقال: ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ﴾ فبهت فرعون، إلا أنه كابر وعاند فقال لقومه: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ فطعن في الرسول والمرسِل، فرد عليه موسى عليه السلام، وبيَّن له أن الجنون إنما هو إنكار الخالق العظيم فقال: ﴿رَبُّ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ فلما عجز فرعون عن رد الحق، لجأ إلى التهديد والوعيد فقال: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ﴾ فأنجى الله موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين، من كيد فرعون اللعين، وأغرقه ومن معه من الكافرين.

وكان من قصة إغراقهم، أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام، أن يسريَ بقومه ليلاً من مصر، فلما علم بذلك فرعون جمع جنوده، وخرج في إثر موسى عليه السلام ومن معه، وكانت وجهتهم تجاه البحر الأحمر ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ فالبحر من أمامهم، والعدو من ورائهم، فقال موسى عليه السلام : ﴿كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ فلما بلغ البحر، أمره الله تعالى أن يضربه بعصاه، فانفلق البحر اثني عشر طريقاً، وصار الماء بين هذه الطرق كأطواد الجبال، فلما تكامل موسى عليه السلام وقومُه خارجين، وتكامل فرعون بجنوده داخلين، أمر الله تعالى البحر أن يعود كما كان، فهلكوا جميعاً وكانوا من المغرقين، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾

فانظروا رحمكم الله، إلى ما في هذه القصة من العبر والآيات، وكيف نصر الله أولياءه وخذل أعداءه، كما قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ﴾

فكانت نعمة عظيمة على المسلمين من بني إسرائيل وغيرهم، وكانت نقمة عظيمة وعقوبة شديدة عاجلة لفرعون وقومِه، وعذاب الله يوم القيامة أشد

فاللهم اهدنا الصراط المستقيم اقول ما تسمعون

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ‏وأشهد أن لا إله الا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين

عباد الله وكان هذا النصر العظيم، لموسى عليه السلام ومن معه، في يوم عاشوراء من شهر محرم، فصامه موسى عليه السلام شكراً لله تعالى، فلما قدم النبي ﷺ المدينة، وجد اليهود يصومونه، فسألهم عن ذلك فأخبروه فقال: «نحن أحق وأولى بموسى منكم» لأن اليهود خالفوا ما أمرهم موسى عليه السلام، من الإيمان بمحمد ﷺ عند بعثته، وحرفوا التوراة التي أنزلها الله عليه، فصامه النبي ﷺ وأمر بصيامه

وقال عليه الصلاة والسلام لما سئل عن يوم عاشوراء قال: «يكفر الله به السنة التي قبله»،

وقيل للنبي ﷺ في آخر حياته: إنهم يصومون هذا اليوم، يذكّرونه ﷺ بذلك، فقال: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع» يعني خلافًا لهم

فيشرع صوم يوم عاشوراء ويوما قبله أو يوما بعده

اللهم اعز الاسلام والمسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين