التوحيد في الحج

 

الحمد لله على نعمائه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أعظم من دعا إلى التوحيد، ونهى عن الشرك والتنديد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد.

فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن الله جل وعلا خلقكم لحكمة عظيمة، وغاية جليلة، خلقكم لتعبدوه، وتنيبوا إليه وتوحدوه، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾


 فعبادة المرء لربه لا تصح إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تصح إلا مع الطهارة، فالمتطهر إذا أحدث بطلت طهارته، وكذا المتعبدُ إذا أشرك بطلت عبادته، ولقد أخبر الله جل وعلا في كتابه، عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مع ما هو متصف به من كمال العبادة وإحسانها، أخبر عنه سبحانه بقوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ بل قال تعالى في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فالشرك والعياذ بالله يحبط الأعمال جميعَها، ويخرج صاحبه من ملة الإسلام، ويخلده في النار أبد الآبدين، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾  


عباد الله.. إن التوحيد أهم المهمات، وأعظم المأمورات، وهو أول دعوة الرسل لأقوامهم، كما قال الله تعالى عن أنبيائه ورسله عليهم السلام في خطابهم لأقوامهم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ وقد تجلت مظاهر التوحيد في حج بيت الله الحرام، وقرر النبي صلى الله عليه وسلم في حجته إخلاصَ العبادة لله تعالى، والنهيَ عن الشرك والتشبهِ بالمشركين.


فبيت الله الحرام قد أُسس على التوحيد، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾


وفي السنة التاسعة من الهجرة بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأردفه بعلي رضي الله عنهما، وأمر أن يُنادى في الناس يوم النحر: «أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان». متفق عليه.

 

  ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح، طهَّر البيت من مظاهر الشرك، فكسر الأصنام ومحا الصور التي كانت فيه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ متفق عليه،


عباد الله.. ومن مظاهر التوحيد في الحج إخلاص النية فيه لله تعالى، بأن يُرَاد به وجهُ الله، لا أن يحج العبدُ رياء وسمعة، يطلب بهذه العبادةِ ثناء الناس ومدحَهم، فإن الله عز وجل يقول: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ أي لا لغيره،


ومن مظاهر التوحيد في الحج، رفع الصوت بعد الإحرام بالتلبية، فهي شعار الحجاج، يقررون بها توحيد الله، ونفيَ الشريك عنه، وإفرادَه سبحانه بالحمد والنعمةِ والملك، ولهذا قال جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم أهل بالتوحيد، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» رواه مسلم،


فهذه التلبية تضمنت التوحيد والإخلاص

ومعنى لبيك اللهم لبيك: أي إجابة لله بعد إجابة، وإقامة على طاعته بعد إقامة، ثم نفى الشريك عنه في كل شيء فقال: لا شريك لك، لا في ربوبيتك ولا في أُلوهيتك، ولا في أسمائك وصفاتك، ثم قال: إن الحمد والنعمة لك والملك: فالحمد هو وصف الله تعالى بالكمال محبة له وتعظيماً، ولا أحد يستحق الحمد على وجه الكمال إلا الله تعالى، وله سبحانه التفضلُ على عباده والإنعامُ عليهم، فلا أحد ينعم عليهم سواه، وهو المالك لكل شيء، والمدبر لجميع مخلوقاته، لا يخرج منها شيء عن مُلكه وتدبيره، لا شريك له في ذلك كله، فعلى الحاج والمعتمر أن يستشعر ما في هذه التلبية من معاني التوحيد العظيمة، ليزداد بذلك إيماناً ويقيناً.


ومن مظاهر التوحيد في الحج ذبح الهدي، في يوم النحر وما بعده من أيام التشريق، وذبح الهدي عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي – أي ذبحي – وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾

بارك الله لي ولكم . . .

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين


. . أما بعد. فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أن من مظاهر التوحيد في الحج إخلاص الدعاء فيه لله تعالى، بأن يُدعى وحده جل وعلا، ولا يدعى معه غيرُه، لا نبيُ مرسل، ولا ملك مقرب، ولا ولي صالح، ولا غيرهم؛ لقوله سبحانه: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾


 وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة، إخلاصَ الدعاء لله تعالى فقال: «خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» رواه الإمام أحمد


والله نسأل أن يثبتنا على الإسلام والسنة، وأن يجنبنا الشرك والبدعة، وأن يجعلنا من عباده المتقين، وحزبه المفلحين.


اللهم اعز الاسلام وانصر المسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم انج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان اللهم احقن دماء المسلمين وجنبهم الفتن

‏اللهم احفظ علينا الأمن والايمان

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن

ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا

‏اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين