قصة سبأ


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،

ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا

من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

أما بعد، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿لَقَد كانَ لِسَبَإٍ في مَسكَنِهِم ءايَةٌ جَنَّتانِ عَن يَمينٍ وَشِمالٍ كُلوا مِن رِزقِ رَبِّكُم وَاشكُروا لَهُ بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفورٌ﴾

 كانت سبأ ملوكَ اليمن وأهلَها، وكانوا في نعمة من الله تعالى وغبطة في بلادهم وعيشهم، واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، وبعث اللّه تبارك وتعالى إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء اللّه تعالى،


وكان الماء يأتيهم من بين جبلين، وتجتمع إليه أيضاً سيول أمطارهم وأوديتهم، فعمد ملوكهم الأقادم، فبنوا بينهما سدا عظيماً محكماً وهو سد مأرب حتى ارتفع الماء، وحكم على حافات ذينك الجبلين، فغرسوا الأشجار، واستغلوا الثمار في غاية ما يكون من الكثرة والحسن، حتى أن المرأة كانت تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتل أو زنبيل فيتساقط من الأشجار في ذلك ما يملؤه، من غير أن يحتاج إلى كلفة ولا قطاف، لكثرته ونضجه واستوائه،


ويُذكر أنه لم يكن ببلدهم شيء من الذباب ولا البعوض ولا البراغيث ولا شيء من الهوام، وذلك لاعتدال الهواء وصحة المزاج، وعناية اللّه بهم ليوحدوه ويعبدوه، كما قال تبارك وتعالى: ﴿لَقَد كانَ لِسَبَإٍ في مَسكَنِهِم ءايَةٌ﴾ ثم فسرها بقوله عزَّ وجلَّ ﴿جَنَّتانِ عَن يَمينٍ وَشِمالٍ﴾ أي من ناحيتي الجبلين والبلدة بين ذلك، ﴿كُلوا مِن رِزقِ رَبِّكُم وَاشكُروا لَهُ بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفورٌ﴾ أي غفور لكم إن استمررتم على التوحيد،


ومن تمام نعمة الله عليهم أن أنعم عليهم بالأمن وكانت لهم القرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث أن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماء وثمراً، ويقيل في قرية ويبيت في أخرى بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً﴾


ومع كثرة نعم الله عليهم وتوافرها إلا أنهم

أعرضوا عن توحيد اللّه وعبادته وشكره على ما أنعم به عليهم، وعدلوا إلى عبادة الشمس من دون اللّه وملوا النعمة وبطروها ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾


ولما أراد الله القوي العظيم عقوبتهم أرسل عليهم السيل الغزير المتواصل عليهم

﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾

وبعث على السد دابة من الأرض، يقال لها الجرذ، فنقبته

فغرقت بلادهم، وهلك حرثهم وأنعامهم، وتلفت أشجارهم وثمارهم، وذهبتْ نعمهم في لمح البصر، وتفرقوا في البلاد بعد اجتماعهم


كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ أي تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل، وذلك بسبب كفرهم وشركهم باللّه وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل وعدم شكر نعمة الله، ولهذا قال تعالى: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾


‏فاللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك

 


الخطبة الثانية

‏الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين


عباد الله في قصة سبأ فوائد عظيمة منها:

أن حالة مساكنهم ورغدهم كانت آية على قدرة الله - تعالى - ورحمته وإنعامه، وفي إرسال السيل عليهم آية أخرى على شدة انتقامه، وسرعة عذابه


وفيه أن ملل النعمة وعدم استشعارها سبب في زوالها


ومنها أن مِن سنن الله تعالى الكونية المستمرة ما أخبرنا سبحانه ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾


ومن رأى حالنا، علم أن نعم الله - تعالى - قد اكتملتْ لنا كما اكتملت لسبأ؛ فرِزْقُ الله - تعالى - يتتابع علينا، ونعمه تحيط بنا، وقد أمَّنَنا في أوطاننا، ويَسَّر أسفارنا، ومِن كل خير أعطانا؛ فلنحذر أن نكون كما كان قوم سبأ، ولنكن كآل داود شكرًا للنعم؛ ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾

والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح


فاللهم اجعلنا لك شاكرين لك ذاكرين اليك أوابين منيبين

اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك


اللهم اعز الاسلام وانصر المسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم انج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان

اللهم احقن دماء المسلمين وجنبهم الفتن


‏اللهم احفظ علينا الأمن والايمان

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء

والربا والزنا والزلازل والمحن

ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين


اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين


اللهم أصلح احوالنا واحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا

‏اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين