فضل القرآن وقراءته

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل القرآن

الحمد لله

فإنّ القرآن كلام الله تعالى وهو حبله المتين ، وصراطه المستقيم ، كتاب الله عز وجل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، من ابتغى العلم في غيره أضله الله ، ومن ولي هذا الأمر من جبار فحكم بغيره قصمه الله ، وهو النور المبين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، لا يخلق على طول الرد ، ولا تنقضي عبره ، ولا تفنى عجائبه . من تمسك به اهتدى ، ومن أعرض عنه ضل وهوى ، أثنى الله عليه في مواضع كثيرة ، ليبين فضله ، ويوضح للناس مكانته ومنزلته ، قال تعالى ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ وقال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ .

فما من باطل إلا وفي القرآن ما يدمغه ، ولا شبهة إلا وفيه بيان بطلانها ، قال تعالى ﴿ وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ وقال تعالى ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾

سماه الله نوراً وجعله للناس شفاءً . قال تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ وقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾

أعجب به الجن لما سمعوه فآمنوا به واتبعوه : ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾

تكفل الله بحفظه ، وأعجز الخلق أن يأتوا بمثله . قال تعالى ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ وقال تعالى ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين » .

ولهذه الفضائل العظمية لكتاب الله امر الله بتلاوته والعمل به وتدبره ، قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما لقارئ القرآن من الحسنات .

فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف » وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران »

ويوم القيامة تتجلى هذه الفضائل لقارئ القرآن فيشفع لقارئه ويعلو به في مراتب الجنة على قدر قراءته . فعن أبي امامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ».

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال صلى الله عليه وسلم « يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند أخر آية تقرؤها » .

وإن من عجيب حال الكثيرين منا تقصيرهم في تلاوة كتاب ربهم وتدبره والعمل به مع علمهم بفضله وأجره .

قال أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله عز ﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾

فالآيات بينت حال المؤمنين ، وحال المنافقين عند سماع القرآن وتلاوته ، فليحذر المسلم أن يكون من ذلك الصنف الخاسر الذي لا يزيده سماع القرآن إلا خساراً .

اللهم إنا عبيدك

الخطبة الثانية:

فإن لقراءة القرآن آداباً منها :

قراءته بتدبر وتمعن ، قال تعالى ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ ﴾ . قال عبد الله بن مسعود لا تنثروه كنثر الرمل ولا تهذوه كهذ الشعر ، قفوا عند عجائه وحركوا به لقلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة .

ثانياً : مراجعة الحفظ ، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها » .

ثالثاً : الخشوع عند تلاوة القرآن : فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علي ، قلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال :« نعم فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا ﴾ قال : حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان » .

رابعاً : عدم هجر القرآن قال تعالى : ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ والهجر يشمل هجر التلاوة ، وهجر التدبر والعمل ، و هجر التحاكم إليه كما قال ابن القيم .

عباد الله : انزل الله القرآن لا ليتلى في الاذاعات والمناسبات ، ولكن لتطبق تعاليمه في كل المجالات ، يحتكم اليه الناس في تصرفاتهم ، فما وافق تعاليمه اخذوا به وما خالفها تركوه . ينظم للأمة حياتها ويضبط سلوكها وتصرفاتها ، ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ وقد أدرك أعداء الإسلام هذه الحقيقة فتراهم يحاول أن يردوا المسلمين عن دينهم ، بالقوة تارة ، وتارة بتشكيكهم بهذا الدين ، وتارة ثالثة بإبعاد شريعة القران عن حياة المسلمين واخضاعهم للشرائع والقوانين الوضعية ، لأن الأعداء يوقنون انهم لن يستطيعوا النيل من المسلمين ماداموا متمسكين بدينهم ، متبعين شريعة قرانهم ، يقول أحدهم : ما دام هذا القران موجود فلن تستطيع اوروبا السيطرة على الشرق الاسلامي ، ولا ان تكون هي نفسها بأمان . ويقول آخر : متى توارى القران ومدينة مكة عن بلاد العرب ، يمكننا حينئذ ان نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدا عن محمد وكتابه . ويقول ثالث : يجب ان نستخدم القران وهو امضى سلاح في الاسلام ضد الاسلام نفسه حتى نقضي عليه تماما يجب ان نبين للمسلمين ان الصحيح في القران ليس جديدا وان الجديد فيه ليس صحيحا .

فما لكم يا مسلمون ،عن كتاب ربكم معرضين ، وعن تدبره غافين ، وبه غير مكترثين ، أنظروا إلى عظمته في نفوسكم ، وكم قلت ، تأملوا مواضع أقدامكم ، فعن تقفي تعاليمه قد زلت ، تفقدوا ألسنتكم ، فمن ترداده قد ملت ، فأروا الله من أنفسكم خيراً ، فأنتم اليوم في شهر القرآن