البلاء


إِن الحَمْدَ الله نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِن شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمن سَيِّئَاتِ أَعمالنا، من يهدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

أيها المسلمون: قال -جلَّ شأنه-: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾
قال الحسن -رحمه الله-: "يُكابِدُ مضايِقَ الدنيا وشدائدَ الآخرة".
ولم تصْفُ الدُّنيا لأحدٍ؛ فهي دارُ بلاءٍ، ولذَّاتُها مشوبةٌ بالأكدار، وأمرُها لا يدومُ على حالٍ، ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ ليسعدُ تارةً ويحزنُ أخرى، ويعتزُّ حينًا ويُذلُّ حينًا.

وأشدُّ الناسِ بلاءً وكربًا في الحياة هم الأنبياء؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: «إن أشدَّ الناسِ بلاءً: الأنبياء، ثم الأمثلُ فالأمثلُ». رواه النسائي.

فقد لبِثَ نوحٌ -عليه السلام- في قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا، لاقَى منهم فيها شدَّة ومكرًا واستِكبارًا. وكانوا يقصِدون أذاه، ويتواصَون قرنًا بعد قرنٍ، وجيلاً بعد جيلٍ على مُخالفته"
فدعا على قومه فعمَّهم الطوفان، ونجَّاه الله منه ومن قومه؛ قال سبحانه: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾

وإبراهيم -عليه السلام- ابتُلِيَ بذبحِ ابنه إسماعيل ففداهُ الله بذِبحٍ عظيمٍ، وأضرمَ قومُه نارًا لإحراقه فجعلَها الله عليه بردًا وسلامًا.

ويعقوبُ -عليه السلام- فقدَ أحبَّ أبنائِه إليه، ثم فقدَ آخر وبكى على فقدهما حتى جفَّ دمعُه وفقدَ بصرَه، قال سبحانه: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ فبثَّ شكواه وحُزنَه إلى الله فجمعَ له ولدَيْه ورفعَه يوسف على عرشِه.

وأيوبُ -عليه السلام- طالَ عليه كربُ المرض فما أيِسَ من الله، وكان يدعُوه: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83]، فرفعَ الله ضُرَّه ووهبَ له أهلَه وضِعفَيْن معهم.

وزكريَّا -عليه السلام- وهَنَ عظمُه واشتعلَ رأسُه شيبًا وبلغَ من الكِبَر عِتيًّا، وحُرِم الولد، فدعا ربَّه نداءً خفيًّا أن يهبَه ولدًا، فرزَقَه الله يحيى وأقرَّ عينَه بصلاحه، وجعله الله نبيًّا رسولاً.

واشتدَّت كُرُبات النبي صلى الله عليه وسلم في حياته؛ من أذى قومه له، وسُمِّه،، والكيدِ به، وموتِ أبنائِه، وكُربةٌ لاقاها جميعُ الرُّسُل، وهي: التكذيبُ والسُّخريةُ، قال سبحانه: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فاطر: 4]، وقال -جلَّ شأنه-: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾
فصبر عليه الصلاة والسلام وصابر حتى مكنه الله في الأرض وانتشرت دعوة الإسلام

والصبرُ أجرُه بلا حسابٍ، واختيارُ الله لعبده أرحمُ من اختيارِ العبدِ لنفسه، والحياةُ الباقيةُ هي الدارُ الآخرة.فاللهم اجعلنا من الشاكرين عند النعماء
الصابرين عند البلاء
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين

عباد الله اتقوا الله واعلموا أن من حسن العمل عند نزول البلاء سُؤال المولَى زواله، فاستدفِعوا أمواجَ البلاء بالتضرُّع والدعاء، فليس شيءٌ أكرمُ على الله عز وجل من الدعاء،

وأنتم ترَون ما حلَّ ببعضِ بلاد المسلمين من الأحداث والاضطرابات، والفتن والحُروب، والبلاء العظيمِ، وما أصاب بعضها من الزلازل والفيضانات والأعاصير، فلا تغفُلُوا عن التوجُّه إلى الله بصدقٍ وإنابة، والدعاء لإخوانكم بالحفظِ والسلامة من تلك الفتن والشُّرور.

واعلموا يا عباد الله أنه لا مخرجَ من أزماتنا إلا بالرجوع إلى التوحيد والسنة ومنهج سلف الأمة وصِدقُ اللجوء إلى الله تعالى؛ فهو العظيمُ الذي لا أعظمَ منه، والكبيرُ الذي لا أكبرَ منه، ومن كان الله معه فمعه الجُند الذي لا يُغلَب، والقوةُ التي لا تُرهَب،

فاللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا
اللهم أعز الإسلام والمسلمين
وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين
اللهم انج المستضعفين من المؤمنين في الشام وفي كل مكان اللهم اجعل لهم فرجا ومخرجا اللهم استر عوراتهم و آمن روعاتهم
اللهم احفظهم واحفظ لهم دينهم
اللهم عليك بأعداء الدين من اليهود والنصارى والمنافقين
اللهم اجعل كيدهم في نحورهم ومزقهم كل ممزق
‏اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا
‏واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى اللهم اجعل عملهم في رضاك وانصر بهم دينك

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين