حديث قدسي عظيم (يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي)

 

إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


عباد الله : حديثٌ  عظيمٌ جليلُ القدر عليُّ المكانة؛ يرويه النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- عن ربه -تبارك وتعالى- فيه من معاني التوحيد وبيان كمالِ عظمةِ الله وغناه، وكمالِ عدلِه، وكمالِ ملكه، وبيان عظيمِ فقرِ العباد إلى ربهم ، وأنهم لا غنى لهم عن ربهم طرفة عين  نسأل الله تعالى أن  ينفعنا  به وأن يوفقنا  للعمل بما فيه وبما في القرآن والسنة


 كان أبو إدريس الخولاني -رحمه الله تعالى- وهو الذي يروي هذا الحديث عن أبي ذر -رضي الله عنه- إذا حدَّث بهذا الحديث جثا على ركبتيه تعظيمًا لهذا الحديث، وذلك لجلالة شأنه، وعظيم معانيه، وجزالة دلالاته


أخرج الإمامُ مسلمٌ عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى- أنَّه قال: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ،مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ».


في الحديث من الفوائد  بيان تحريم الظلم وكمال عدل الله عز وجل  وفي الحديث عظيم فقر العباد إلى الله، وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين

في جميع شؤونهم ومصالحهم الدينية والدنيوية؛ من هداية وصلاح واستقامة،و من طعامٍ وشرابٍ وملبسٍ ومسكن، وغير ذلك.


وأن الواجب على العبد أن يقبِل على الله بالدعاء والسؤال إقبال الفقير الذليل المحتاج متوجهًا إلى الرب الغني العظيم فإن الأمور بيد الله عز وجل


وفيه أن العباد لابد من وقوعهم في المعاصي والأخطاء وأنَّ الله -سبحانه- يغفر الذنوب مهما عظمت، ويتجاوز عن السيئات مهما كثرت، لا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره، وأنه يستجيب لمن دعاه .


وفي الحديث كمال غنى الله عن العباد وكمال قدرته وعظمته، وأن العباد لا يبلغون ضُرَّ الله فيضروه ولا نفعه سبحانه فينفعوه، وغير ذلك من الفوائد العظيمة


فاللهم إنا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا

‏أقول ما تسمعون استغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العلمين و أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين


عباد الله ثم جاء في تمام هذا الحديث بيان حقيقة هذه الدنيا، وأنها دارٌ للعمل وليست دارًا للبقاء، وأن أعمال العباد في هذه الحياة محصاةٌ عليهم؛ صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، حسَنها وسيئها، وأن العباد سيلقون أعمالهم يوم القيامة في كتابٍ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وحين ذاك من وجد خيرًا فليحمد الله؛ فإنه الذي هداه ووفقه وأعانه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه.

 

اللهم يا رب العالمين نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت أن تهدينا أجمعين إليك صراطًا مستقيما، وأن تصلح لنا شأننا كله.


اللهم اعز الإسلام والمسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين


اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين


اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا


اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين