حسن الظن بالله

 

إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أما بعد

أيها المسلمون: التوحيد حق الله على عباده وبه بَعَث الله رُسله وأنزل كُتبه، وحقيقتُه إفراد الله بالعبادة، ومن أعظم العبادات وآكَد أعمال القلوب حسنُ الظنِّ بالله؛ فهو من فروض الإسلام وأحَد حقوق التوحيد وواجباته،

وللعبد من ربه ما ظن به، قال عليه الصلاة والسلام: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي» (متفق عليه). قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه الله ظنه، ذلك بأن الخير في يده –سبحانه-".

وقد نال الرسل -عليهم السلام- المنزلةَ الرفيعةَ في معرفتهم بالله؛ فَفَوَّضُوا أمورَهم إليه حُسْنَ ظنٍّ منهم بربهم؛ فإبراهيم عليه السلام ترك هاجر وابنها إسماعيل عند البيت وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، ثم ولى إبراهيم منطلقا فتبعته هاجر -عليها السلام- وقالت: "يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟" فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: "آلله الذي أمرك بهذا؟"، قال: نعم. قالت: "إذا لا يضيعنا" (رواه البخاري)، فكان من عاقبة حسن ظنها بالله ما كان، فنَبَع ماءٌ مباركٌ وعُمِّر البيت وبقي ذكرها خالدا وصار إسماعيل نبيا ومن ذريته خاتم الأنبياء وإمام المرسلين.

ويعقوب -عليه السلام- فَقَدَ ابنينِ له فصبر وفوض أمره لله وقال: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، وبقي قلبه ممتلئا بحسن الظن بالله وأنه خير الحافظين وقال: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾.
فجمع الله شمله بابنائه

واشتد الخَطْبُ بموسى -عليه السلام- ومن معه؛ فالبحر أمامهم وفرعون وجنده من ورائهم وحينها قال أصحاب موسى: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾.

فجاء الفرج من الله فنجاه الله ومن معه وأغرق فرعون وقومه

وأعظمُ الخلقِ عبوديةً لله وحسنَ ظنٍّ به نبيُنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أُخرج من مكة وفي الطريق أوى إلى غار، فلحقه الكفار وإذا بهم حوله فيقول لصاحبه مثبتا إياه: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾

والصحابةُ ‏رضي الله عنهم أشدُّ الخلق يقينًا بحسن ظنهم بالله بعد الأنبياء،
قال عمر -رضي الله عنه-: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَتَصَدَّقَ، وَوَافَقَ ذَلِكَ مَالٌ عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، قَالَ: فَقَالَ: لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟" قُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟" فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" (رواه أبو داود)

عباد الله

ومن أسباب قبول التوبة: حسن ظن صاحبها بربه، قال عليه الصلاة والسلام فيما يروي عن ربه: «أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك» (رواه مسلم).
 
والمَخرجُ عند الضيق والكروب والهموم حُسنُ الظن بالله، فالثلاثة الذين خُلِّفُوا لم يَكْشِف عنهم ما حل بهم من الكرب إلا حسن ظنهم بالله،

ومن ضاق به عيشه فحَسُن َظنه بالله كان في سعة وفرج  وقضى الله عنه دينه قال الزبير بن العوام -رضي الله عنه- لابنه عبد الله: "يا بني إن عجزتَ عن شيء من دَيْنِي فَاسْتَعِنْ عليه مولاي، قال عبد الله: فوالله ما دريتُ ما أرد حتى قلتُ: يا أبتي مَنْ مولاك؟ قال: اللهُ، قال: فوالله ما وقعتُ في كربة من دَيْنه إلا قلتُ: يا مولى الزبير اقْضِ عنه دَيْنَهُ فيقضيه" (رواه البخاري).

اقول ما تسمعون استغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

‏الحمد لله…

عباد الله أحسنوا الظن بربكم في جميع أحوالكم في السراء والضراء

وفي الغنى والفقر وفي الصحة والمرض وفي الشدة والرخاء

فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك، ولا أماتك إلا ليحييك، فإياك أن تفارق الرضى عنه طرفة عين فتسقط من عينه
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

والله تواب يفرح بتوبة العباد، ويبسط يدَه بالليل ليتوب مُسيئ النهار، ويبسط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيئ الليل،

والله قوي قدير ونصره لعباده وأوليائه ليس دونَه غالبٌ، ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾

أيها المسلمون: حقيقة الظنِّ الحَسَنِ بالله يظهر في حُسْن العمل

فاللهم اجعلنا ممكن يحسن الظن بك

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل اللهم هذا البلدَ آمِنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ردونا وإياهم إليك ردا جميلا،

اللهم وفِّق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده  لهداك، واجعل عملهم في رضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار