الإسراف

 

إِن الحَمْدَ الله نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِن شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمن سَيِّئَاتِ أَعمالنا، من يهدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

عباد الله: إن من أعظم الجرائم وأكبر الآثام جريمة جَاءَتِ الآيَاتُ والأحاديث بِالتَّحْذِيرِ مِنْهُا و النَّهْي عَنْهُا، وهي  كُفْرَانٌ لِلنَّعَمِ، سَالِبٌةٌ لَهَا، خَطَرُهُا كَبِيرٌ ، لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُا أَكْثَرُ النَّاسِ، تلك الجريمة  هيا الإِسْرَافُ.

ألا وإِنَّ أَعْظَمَ الإِسْرَافِ هُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَتَضْيِيعُ حَقٌّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِصَرْفِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ العِبَادِةِ لِغَيْرِهِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌ لِلنَّارِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾.

وَمِنْ أَعْظَمِ الإِسْرَافِ: الإِسْرَافُ فِي المَعَاصِي، وَارْتِكَابُ النَّوَاهِي، وَقَدْ حَثّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُسْرِفِينَ فِي الذُّنُوبِ عَلَى التَّوْبَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَلَّا يَقْنَطُوا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿قُلْ يَعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾.

وَمِنَ الإِسْرَافِ يَا عِبَادَ الله: الإِسْرَافُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُشْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ كَرِهَ لَنَا تَضْيِيعَ المَالِ ، أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ الْمُغِيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - : «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المالِ».

ومن كان مسرفاً في ماله ومأكله ومشربه فليتذكر حال النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه
فعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه ﷺ ذاتَ يَوْمٍ -أَوْ لَيْلَةٍ- فَإِذا هُوَ بِأَبي بَكْرٍ وعُمَرَ رضي اللَّه عنهما، فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُما هذِهِ السَّاعَةَ؟» قَالا: الجُوعُ يَا رَسولَ اللَّه، قالَ: «وَأَنا، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَخْرَجَني الَّذِي أَخْرَجَكُما، قُوما»، فقَاما مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الأَنْصارِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ في بيتهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ المَرْأَةُ قالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فقال لَهَا رَسُولُ اللَّه ﷺ: «أَيْنَ فُلانٌ؟» قالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الماءَ، إِذْ جاءَ الأَنْصَاريُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّه ﷺ وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قالَ: الحَمْدُ للَّه، مَا أَحَدٌ اليَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيافًا مِنِّي، فانْطَلقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا، وَأَخَذَ المُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رسُولُ اللَّه ﷺ: «إِيَّاكَ وَالحَلُوبَ»، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذلكَ العِذْقِ وشَرِبُوا، فلمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَووا قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ لأَبي بكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّه عنهما: «وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هذَا النَّعيمِ يَوْمَ القِيامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هذا النَّعِيمُ» رواه مسلم.

وليتذكر كيف كان حال الآباء والأجداد

اسألوا كبار السن

حتى تعرفوا ما مر بهم  من الجوع والشدة ، وأحوالٍ لا يكاد يصدقها أبناء اليوم ، حتى بلغ ببعضهم أن أكل الميتة

لأجل الضرورة التي مرت بهم

فَإِيَّاكُمْ يَا عِبَادَ الله أَنْ تَقَعُواْ فِي الإِسْرَافِ فَإِنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا تُسْرِفُوا فِي ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي، وَلَا تُسْرِفُوا فِي الْمَأْكَلِ وَالمَشْرَبِ، وَلَا تُسْرِفُوا فِي اسْتِخْدَام مَا مَنَ اللهُ بهِ عَلَيْكُمْ مِنَ الكَهْرُبَاءِ وَالْمَاءِ وَغَيْرِهَا،

فاللهم اجعلنا من عبادك المتقين أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحمد لله …..

فاتقوا الله عباد الله واحذروا من الإسراف فإنه للأسف الشديد

قَدْ فَشَا فِي اَلْمُجْتَمَعِ الاسراف فِي عَمَلِ اَلْوَلَائِمِ بِأَشْكَالٍ مُتَنَوِّعَةٍ  مِنْ اَلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْحَلْوَى، وكذلك ما يكون في المطاعم والمقاهي وغيرها وَاَلَّتِي يُهْدَرُ مِنْهَا اَلْكَثِيرُ، بَلْ وَرُبَّمَا تُلْقَى فِي اَلزُّبَالَاتِ -وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ-

حتى أَنَّ قِيمَةَ اَلْهَدْرِ اَلْغِذَائِيِّ فِي اَلْمَمْلَكَةِ تَجَاوُز ٤٠ مِلْيَارَ رِيَالٍ سَنَوِيًّا.

ألا فَلْنَتَقِ اَللَّهَ تَعَالَى فِي نِعْمَهِ، وَلْنُحَافِظَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ تَذْهَبَ عَنَّا وَلَا تَرْجِعُ، وَلْنَقْتَصِد فِي مَعَاشِنَا وَجَمِيعَ أُمُورِنَا

واعتبروا بمن ذهبت عنهم هذه النعم

واعلموا أنه ما حفظت النعم بمثل رعاية حق الله فيها ، بطاعة الله وشكرها  وعدم الإسراف والتبذير فيها ، وما ترحلت النعم ولا استجلبت النقم بمثل المعاصي وكفرها و الإسراف والتبذير فيها : ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

فاللهم احفظ علينا هذه النعم وارزقنا القيام بحقها يا ارحم الراحمين

اللهم اعز الإسلام والمسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين