حكم الحج وفضائله
إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يقول الله -تعالى-: ﴿وَإِذ بَوَّأنا لِإِبرٰهيمَ مَكانَ البَيتِ أَن لا تُشرِك بى شَيـًٔا وَطَهِّر بَيتِىَ لِلطّائِفينَ وَالقائِمينَ وَالرُّكَّعِ السُّجودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.
فذُكر أنه قال: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب اللّه أنه يحج إلى يوم القيامة
ومن رحمة الله بعباده في شريعتنا السمحة أنه أوجب الحج على أصحاب الاستطاعة المالية والصحية والأمنية في العمر مرة واحدة؛ وقد بين أهل العلم شروط وجوب الحج على النحو التالي؛ فأولها البلوغ وثانيها: العقل، وثالثها: الاستطاعة بالمال والبدن وأمن الطريق، ورابعها المحرم للمرأة،
قال تعالى-: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ, يَعْنِي الْفَرِيضَةَ, فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ»؛ فَفِي هَذَا الْحَديثِ: حَثٌّ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ مَتَى اِسْتَطَاعَ الْمُسلِمُ لِلْحَجَّ سَبِيلاً, وَتَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ وَالتَّسْوِيفِ، وَالْقَلُوبُ الْمُؤْمِنَةُ لَتَسْتَجِيبُ لأمرِ اللهِ تَعَالَى بالحجِّ, وَتَنْطَلِقُ شوقًا إِلَى بيتِهِ وَتُبَادِرُ فِيهِ؛ طَلَبًا لِمَغْفِرَتِهِ، وَالْفَوْزَ بِجَنَّتِهِ، وَالْعِتْقَ مِنْ نَارِهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدِ اهتَمَّ نَبِيُّكُم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِالحَجِّ اهتِمَامًا عَظِيمًا، وَحَثَّ عَلَيهِ وَنَدَبَ إِلى تَعْجِيلِهِ، وَجَعَلَهُ مِن أَفضَلِ الأَعمَالِ وَأَحَبِّهَا إِلى اللهِ- تَعَالَى-, بَل عَدَّهُ جِهَادًا في سَبِيلِ اللهِ،، وجعله من اسباب تَكْفيرِ الْخَطَايَا وَمَغْفِرَةِ الذُنُوبِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبرُورٌ» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «العُمرَةُ إِلى العُمرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُمَا، وَالحَجُّ الْمَبرُورُ لَيسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ), وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَن حَجَّ هَذَا البَيتَ فَلَم يَرفُثْ وَلم يَفسُقْ رَجَعَ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ».
وَفَضَائِلُ الْحَجِّ كَثِيرَةٌ، وَفَضْلُ اللهِ أَكْثَرُ وَأَكْبَرُ؛ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُعْرِفُهَا ثُمَّ يَرغَبُ عَنْهَا مِنْ أَقوَامٍ قَدْ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِالصِّحَّةِ وَاْلعَافِيَةِ وَالأَمنِ وَوَفرَةِ الأَموَالِ، بَلْ رُبَّمَا اِنْصَرَفُوا إِلَى رَحَلاتٍ وَأَسفَارٍ إِلى سَائِرِ البِلادِ وَالأَمصَارِ، وَقَد يَكُونُ مِنهَا شَيءٌ إِلى بِلادِ الكُفَّارِ، يَتَحَمَّلُونَ بِسَبَبِهِ التَّعَبَ وَيَحمِلُونَ الذُّنُوبَ وَالأَوزَارَ، في حِينِ أَنَّ تَعَبَهُم وَنَفَقَتَهُم فِي الحَجِّ مَكتُوبَةٌ لَهُم عِندَ رَبِّهِم، مَحفُوظَةٌ لَدَيهِ في مَوَازِينِ حَسَنَاتِهِم، وَمَعَ هَذَا يُفَرِّطُونَ فِيهَا
فاللهم اهد ضال المسلمين
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العلمين و أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين
أيها المؤمنون: ومما ينبغي على من قصد حج بيت الله الحرام أن يتنبه للأمور الآتية:
أن يستشعر أنه خارج لأداء فريضة من فرائض الإسلام، وأركانه العظام؛ كما روى الأعلام عن خير الأنام -عليه الصلاة والسلام-: «بني الإسلام على خمس»، وذكر منها: «حج البيت» (متفق عليه).
وأن يبادر بالتوبة إلى الله
وأن يتعلم هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الحج، كما قال عليه الصلاة والسلام «خذوا عني مناسككم».
ويسأل العلماء الراسخين عما أشكل عليه
وأن تكون نفقته مالًا حلالًا طيبًا طاهرًا، لا يخالطه حرام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا» (رواه مسلم).
وينبغي للحاج: أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة من السخاء والكرم وطلاقة الوجه، والصبر على الآلام وتحمل الناس، وعدم إيذاء أحد، وأن يكف لسانه عن الفحش والرفث والغيبة والنميمة والزور، وفي هذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (رواه البخاري).
وقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بأنه على الحاج أن يلتزم باستخراج التصريح الرسمي للحج لما في ذلك من المصالح العامة لتنظيم الجموع الكبيرة القادمة للحج ولما في ذلك من طاعة ولي الأمر في غير معصية الله
وأنه لا يجوز له أن يحج بلا تصريح لما فيه من مخالفة ولي الأمر الذي ما صدر إلا تحقيقا للمصلحة العامة
وإن كان الحج حج فريضة ولم يتمكن من استخراج التصريح فإنه في حكم عدم المستطيع والله تعالى يقول : ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾
فاللهم اهدنا الصراط المستقيم، اللهم اعز الإسلام والمسلمين
اللهم أصلح ولاة أمرنا وولاة أمور المسلمين في كل مكان
اللهم وفق أمامنا خادم الحرمين الشريفين و ولي عهده لما تحب وترضى اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة واجزهم خير الجزاء على ما يبذلونه من خدمة الحجاج والمعتمرين
اللهم انصر بهم دينك
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين
الخطيب : مشعل حمد الشامري
الدولة : السعودية
المدينة : الرياض
اسم الجامع : شيخ الإسلام ابن تيمية
تاريخ الخطبة : 09-11-1445
تاريخ الإضافة : 13-11-1445
تصنيف الخطبة : الخطب
- سورة ق
- أيام التشريق
- خطبة عيد الأضحى 1446هـ
- التوحيد في الحج والتنبيه على لزوم الأنظمة في الحج
- فضل عشر ذي الحجة
- حكم الحج وفضائله
- أسباب المغفرة
- الطمأنينة والخشوع في الصلاة
- الإسراف
- أصحاب الأخدود
- وماذا بعد رمضان
- نعمة الإسلام والسنة (خطبة عيد الفطر 1446)
- آخر جمعة من رمضان
- فضل العشر الأواخر من رمضان
- تدبر القرآن
- أول رمضان
- استقبال رمضان
- بر الوالدين وصلة الأرحام
- من أهوال يوم القيامة
- فضل العمل والحث عليه والتحذير من التسول
- أحكام يوم الجمعة
- خلق الرحمة
- الرؤى والمنامات
- شهر رجب
- مخالفات تقع في الميراث
- أحكام متعلقة بالكفار (تهنئتهم بأعيادهم والتشبه بهم)
- الأمانة و النزاهة و المال العام
- قصة نوح عليه السلام (2)
- قصة نوح عليه السلام (1)
- خطر الزنا
- الامتحان الحقيقي
- الثلاثة من بني إسرائيل
- (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)
- حقوق كبار السن
- عامل الناس بما تحب أن يعاملك الله به
- بناء الأسرة ومسؤولية الوالدين
- نعمة التوحيد والأمن
- التحذير من الاحتفال بالمولد النبوي
- وصايا لقمان
- فضل صلاة الجماعة
- قصة مريم و امرأة عمران
- فضل طلب العلم (2)
- فضل طلب العلم (1)
- فضائل معاوية رضي الله عنه
- أمراض القلوب
- قصة موسى عليه السلام
- استغلال الاجازة ونجاح الحج
- أتاكم يوم عرفة
- فضل عشر ذي الحجة
- التوحيد في الحج
- حديث قدسي عظيم (يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي)
- حكم الحج وفضائله
- فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
- نعمة التوحيد والأمن
- قصة سبأ
- وماذا بعد رمضان
- خطبة عيد الفطر 1445 (نعمة الإسلام والسنة)
- خطبة آخر جمعة من رمضان
- الزكاة
- فضل العشر الأواخر من رمضان
- آخر رجل من أهل الجنة
- شهر رجب
- شهر شعبان
- آداب التنزه والرحلات.
- هم الرزق
- دروس وعبر من قصة ابوسفيان وهرقل
- فتح تستر و صلاة الفجر
- خطبة الاستسقاء
- قسوة القلب
- استقبال رمضان
- أول رمضان
- أحكام متعلقة بالكفار ( تهنئتهم باعيادهم والتشبه بهم )
- خطر الشائعات
- موقف الصديق بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام
- خطبة النزاهة والأمانة والمحافظة على المال العام
- وفاة النبي عليه الصلاة والسلام
- بر الوالدين
- هدي النبي عليه الصلاة والسلام مع الصغار
- الصدقة و فلسطين
- البلاء
- الموت
- حسن الظن بالله
- الإسراف
- نعمة الأمن - والتوحيد
- فضائل يوم الجمعة
- مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه (الجزء الثاني)
- مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه (الجزء الأول)
- فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
- فضل طلب العلم
- سلامة الصدر
- حر الصيف
- قصة موسى عليه السلام
- الغش والاحتكار
- الحياء
- الزلزال
- نعيم الجنة
- شهر رجب
- الغيبة والنميمة
- قصة قارون
- أضرار المخدرات
- تهنئة الكفار بأعيادهم
- آداب التنزه والرحلات
- النزاهة والمحافظة على المال العام
- سورة ق
- بر الوالدين
- خطورة الطلاق
- هل تعرف ربك؟
- الشمس
- إنه الفاروق رضي الله عنه
- التحذير من بدعة المولد
- الإيمان بالملائكة
- حفظ النفس
- نعمة الأمن
- فتنة الدجال
- فمن رضي فله الرضا
- حسن الظن بالله
- نعمة النوم
- النظافة
- أحكام زكاة الفطر والعيد
- أيام الصيف وشدة الحر
- التحذير من مخالفات نهاية العام
- أشراط الساعة (1)
- الرجولة و مظاهرها
- استغلال الإجازة
- شهر الله الحرام
- خطبة عيد الأضحى 1443هـ
- أشراط الساعة (2)
- يوم عرفة
- الدعاء
- فضل عشر ذي الحجة (2)
- محنة غزة
- فضل عشر ذي الحجة
- السفر للخارج
- قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه
- فضل طاب العلم
- سلامة الصدر
- الشباب بين الواقع والمأمول
- يا لها من موعظة (الموت)
- الفتاوى ومصطلحات حادثة
- صلاة الفجر
- استسقاء
- أإله مع الله
- الصدقة
- قسوة القلب
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- الموت
- تربية الأبناء
- خطبة عيد الفطر 1443هـ
- الحور بعد الكور
- التوبة
- العشر الأواخر
- عداوة الكفار
- زكاة الفطر وبعض أحكام العيد
- في استقبال رمضان
- الاتباع للشرع المطهر
- التوكل على الله
- عشر ذي الحجة
- العشر الأواخر
- الجمعة
- الغيرة على المحارم
- تأخر الأمطار
- المداومة على العمل الصالح