فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه

إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.


أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


عن عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ؟!

فَقَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ»؟!».


إنه أبو عبد الله عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي، من السابقين الأولين إلى الإسلام، حيث أسلم على يدي أبي بكر رضي الله عنه، بشره رسول الله عليه الصلاة والسلام بالجنة.


ومن فضائله التي اختص بها دون غيره، أنه تزوج بنتي النبي صلى الله عليه وسلم وكان يُلقب بذي النورين، فقد تزوج رقية رضي الله عنها فلما ماتت تزوج بعدها أم كلثوم رضي الله عنها، فلم يجمع أحد من الناس بين بنتي نبي إلا عثمان رضي الله عنه،


هاجر الهجرتين الأوليين إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة.


كان ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يكتب الوحي إذا نزل عليه، وشهد معه المشاهد كلها إلا بدراً، فلم يتمكن من حضورها؛ لانشغاله بزوجته رقية رضي الله عنها، التي اشتد عليها مرضها الذي ماتت فيه،


أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليفاوض قريش عام الحديبية، ويخبرهم أنه لم يأت لحربهم، وإنما جاء معتمراً، ففاوضهم في ذلك، وحجزوه عندهم، فأشيع أن قريشاً قتلوه، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة إلى أن يبايعوا على القتال، فبايعوه بيعة الرضوان التي قال الله تعالى فيها: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان فضرب إحدى يديه بالأخرى، وقال: «هذه عن عثمان» رواه البخاري.


وكان رضي الله عنه من أجود الناس فقد جاء عثمان رضي الله عنه بألف دينار من الذهب، وصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم حين تجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم» يردد ذلك مراراً. رواه أحمد في فضائل الصحابة.


ولما ضاق المسجد النبوي بالمصلين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتراها عثمان رضي الله عنه من صلب ماله. رواه الترمذي.


وكان عثمان رضي الله عنه من الصحابة الذين جمعوا القرآن حفظاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أعلم الصحابة رضي الله عنهم بأحكام المناسك.


ولما طُعن عمر بن لخطاب رضي الله عنه، جعل الخلافة شورى في الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه سلم وهو عنهم راض، وكان عثمان من أولئك فاختاروه خليفة على المسلمين، فقام بالخلافة أتم قيام، ففتح كثيراً من البلدان، ونسخ القرآن في مصحف واحد، ووسع المسجد الحرام والمسجد النبوي، وكثر المال في زمانه، فأغدق  على الناس، ووسع عليهم أرزاقهم، وانتشر الأمن والإلف بين المؤمنين حتى ما يخاف أحدٌ أحداً.


فاللهم ارض عن أصحاب نبيك واجعلنا من التابعين لهم بإحسان


بارك الله ...

 


الخطبة الثانية


الحمد لله ..


كان عثمان بن عفان  رضي الله عنه رقيق القلب إذا وقف على قبر بكى حتى يبلَ لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتذكر القبر فتبكي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «القبر أول منازلِ الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه» قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظعُ منه» رواه الترمذي.


عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ - وهو البستان الذي فيه نخل  -... ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ لِي: «افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ» فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ»، رواه البخاري ومسلم


وفي صبيحة يوم الجمعة ، الثاني عشر من شهر ذي الحجة ، من السنة الخامسة والثلاثين للهجرة ، وذلك حاصر الخوارج  دار عثمان رضي الله عنه لمدة أربعين يوماً، وكان سِنُّه اثنتين وثمانين سنة


فقَالَت امْرَأَةُ عُثْمَان رضي الله عنه عَنْهُ حِينَ أَطَافُوا بِهِ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ : «إِنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَتْرُكُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ، يَجْمَعُ فِيهَا الْقُرْآنَ».


ثم دخلوا داره عنوة وقتلوه شهيدا صابرا وكان صائما يقرأ القرآن


فهذا يا عباد الله شيء يسير من سيرة عثمان رضي الله عنه، تذكيراً بفضله، ووفاءً لحقه، ونصرة له من الطاعنين فيه من المنافقين والخوارج وغيرهم ما أعداء الدين ، الذين يتقربون إلى الله تعالى  بسبه ولعنه أو التقليل من شأنه


اللهم اعز الإسلام والمسلمين


‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين


اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين


اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا


ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين