مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه (الجزء الأول)

 

إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.


أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


عباد الله: تكلمنا في الخطبة الماضية عن عثمان بن عفان أمير المؤمنين، ذو النورين، وصاحب الهجرتين، والمصلي إلى القبلتين، وزوج الابنتين رقية وأم كلثوم، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة،


لما بايعه الصحابة بالخلافة كان أول صلاة صلاها بالناس صلاة العصر، فخطب الناس فوعظهم وذكرهم وزاد الناس في أعطياتهم من بيت المال مائة درهم، ثم كتب إلى عماله في الأمصار يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحضهم على إقامة الصلوات والإتباع وترك الابتداع، وشرع عثمان في تسيير الجيوش، ففتح الله عليه الأمصار، وأعز أهل الإسلام وأذل الكفر و أهله، وحصل للناس في زمنه طمأنينة ورغد عيش، وكثُرت الخيرات والأعطيات بحمد الله،


فلم يرق ذلك لأعداء الدين


ودعاة الفتن والثورات


ففي سنة ثلاث وثلاثين للهجرة بدأت بوادر الفتنة، ونبذت نابذة تطعن في عثمان أمير المؤمنين، وتؤلِّبُ عليه، وهم الظالمون في ذلك


وهو البار الراشد رضي الله عنه، فنفاهم من البصرة إلى الشام وإلى مصر.


ثم دخلت سنة أربع وثلاثين للهجرة؛ وفيها تكاتف المنحرفون عن طاعة عثمان رضي الله عنه ونالوا منه، وبعثوا إليه من يناظره في أمور ادَّعوها وأغلظوا له القول، وزعموا أنهم مظلومون مضطهدون!، وهم والله الظالمون الجائرون المفسدون في بلاد الإسلام، وقد استمالوا ضعاف النفوس؛ بدعوى أن عثمان منعهم حقوقهم، واستأثر وقرابته ببيت المال ووظائف الدولة،


وسبب تألب الأحزاب على عثمان؛ أن رجلا يقال له


عبد الله بن سبأ، كان يهوديا فأظهر الإسلام، وصار إلى مصر فأوحى الى طائفة من الناس كلام اخترعه من عند نفسه مضمونه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي بن أبي طالب، ثم يقول الخبيث:"فعليٌ أحق بالإمرة من عثمان! وعثمان معتدٍ في الولاية مما ليس له، فأَنكِروا عليه، وأظهِروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".


فافتتن به بشر كثير من أهل مصر، وبثَّ الخبيث دعاته، وكاتب من أفسده في الأمصار، ودعوا في السر إلى فتنتهم، وقال لهم ابن سبأ:"انهضوا في هذا الأمر - يعني إسقاط الخليفة- بالطعن في أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا قلوب الناس".


وهكذا أهل الفتن في كل زمان ومكان


فلما أدرك ذلك عثمان رضي الله عنه، صعد المنبر فخطب الناس فوعظ وحذر وأنذر، وقال: «ألا قد والله لقد عبتم عليّ بما أقررتم به لابن الخطاب، ولكنه وطأكم برجله، وضربكم  بيده، وقمعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم، ولنتُ لكم وأوطأت لكم كتفي وكففت يدي ولساني عنكم، فاجترأتم عليّ؟! فكفوا ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم،


ألا فما تفقدون من حقكم؟! فوالله ما قصَّرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي»، ثم اعتذر عما كان يعطي أقاربه بأنه من فضل ماله هو،


لكن أهل الفتنة لم ينزجروا، بل استمروا في تأليب الفتنة على أمير المؤمنين عثمان، يحرضهم على ذلك عبد الله بن سبأ رأس الفتنة، وكان يقول  لخواصه: "انهضوا في هذا الأمر بالطعن في علمائهم وأمرائهم".


وقد أثر في بعض الرعية كما قال سعيد بن المسيب:"كانت المرأة تجيء في زمان عثمان إلى بيت المال، فتحمل الحمل الثقيل من الخير والعطايا ثم تقول: اللهم بدِّل!، اللهم غيرِّ، تعني عثمان".


وفعلاً.. تبدلت الأمور بعد مقتل عثمان، وثارت الفتنة وعظُم الشر وقلَّ الخير والرزق، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾


كانت ثمرة ذلك التحريض على ولاة الأمر؛ أنه نشأ بمصر طائفة يؤلِّبون الناس على حرب عثمان والإنكار عليه، حتى استنفروا نحوا من ستمائة راكب، يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب لينكروا على عثمان، وأقام بمصر أعوان لهم يدافعون عنهم و يؤلبون الناس على عثمان،


فلما اقتربوا من المدينة خرج إليهم علي بن أبي طالب وهم بالجحفة، وكانوا يعظمون علياً ويبالغون في أمره لكنه رضي الله عنه لم يعبأ بذلك بل أنبهم وشتمهم ونصح لولي أمره، ويقال إنه ناظرهم في عثمان، وسألهم: ماذا ينقمون عليه ؟! فذكروا له أشياء فأجاب عليٌ عن ذلك ودافع عن أخيه عثمان بن عفان أمير المؤمنين رضي الله عنهما، فلما تبين عذر عثمان في ذلك وانزاحت عللهم ولم يبق لهم شبهة، أشار جماعة من الصحابة على عثمان بتأديبهم، لكنه صفح عنهم وتركهم  رضي الله عنه،


فاللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن


أقول ما تسمعون ..

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ..


عباد الله


فلما كان يوم الجمعة خطب عثمان وقال :«اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، اللهم إني أول تائب مما كان مني»، وأرسل عينيه في البكاء فبكى الناس أجمعون، وحصل للناس رقة شديدة على إمامهم، وأشهد عثمان الناس على نفسه بذلك، وأنه قد لزم ما كان عليه الشيخان أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، وأنه قد سبَّل بابه لمن أراد الدخول عليه، لا يمنع أحد من ذلك، فهدأت الأمور قليلاً .


وللحديث بقية إن شاء الله


اللهم اعز الإسلام والمسلمين


‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين


اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين