فضل الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل الإسلام

الحمد لله أكمل لنا الدين ، وأتم علينا النعمة ، ورضي لنا الإسلام ديناً ، احمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد ان سيدنا ونبينا محمد اًعبده ورسوله .. تركنا على البيضاء .. ليلها كنهارها .. لا يزيغ عنها إلا هالك .. صلى الله وسلم و بارك عليه ، وعلى آله وصحبه أعلام الهدى ، ومصابيح الدجى ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ، وسار على نهجهم واقتفى .

أما بعد :

فاتقوا الله أيها المؤمنون . واعلموا أنه لا حياة لأمة الإسلام إلا با لإسلام .. بقاؤها مرهون بالمحافظة عليه ، وفناؤها راجع إلى التفريط فيه .. تدوم بدوامه في قلوبها ، وتضمحل باضمحلاله من نفوسها . إنه دستورها ونظامها ، وهو مصدر فخرها وعزها ، وهو خلاصة الأديان وخاتمتها : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴾

ونبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وأفضل المرسلين ، تمت به النعمة ، وانجلت به الظلمة ، وكشفت به الغمة ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ .

لم يكن لأمة من الأمم مثله ، ولا نزل وحي على نبي من الأنبياء نظيره ، أتباعه خير أمة أخرجت للناس ، ولقد أكمل الله الدين ، وأتم النعمة ، ورضي الإسلام ديناً : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾.

من حق هذه الأمة أن تفاخر بدينها ، وتعتز بشريعتها ، ألم تتوحد به الصفوف ؟ ألم تأتلف به القلوب ؟ .. أنقذ البشرية من الذل والاستعباد ، إلى مراقي العزة والكرامة .

إن حقيقة هذا الدين ، نور في البصائر ، وصلاح في الباطن والظاهر ، وصدق مع الله وصدق مع الناس ، من ازداد به معرفة ،ازداد له احتراما وتوقيرا وتعظيما . يمتد الإسلام وتنتشر معه الفضائل حيث سار . فالكرم والعفاف من آثاره ، والشجاعة والعزة من ثماره ، رفعة في السجايا ، وشرف في الاخلاق .. طبعت كل ذلك في نفوس اتباعه ، وصايا القران وأنوار النبوة .

عقيدة صافية ، وإيمان عميق ، هدمت به منارات الإلحاد ، وتلاشت معه معالم الوثنية . عبادة قويمة تنتفي معها البدع والخرافات ، وتضمحل معها الكهانات و الشعوذات . ينضم إلى ذلك معاملة عادلة في خلق كريم . لا خير إلا احتواه ودل عليه ، ولا شرإلا نفاه وحذر منه . أخبر بما كان وما يكون إلى يوم القيامة .

يقول أبو ذر رضي الله عنه : لقد قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما ،حفظت به الحقوق ، ورسمت به الأحكام ، بروح العدل والمساواة ، واحترام الحقوق العامة والخاصة ، وقيام على جلب المصالح ، وردء المفاسد ، مع اعتبار للأعراف والعوائد .

لقد شمل جميع جوانب الحياة ، في العقائد والعبادات وفي شؤون الأسرة والمعاملات . وفي الحدود والجنايات . وأوضح حدود العلاقات بين الحاكم والمحكوم . رسم قواعد الحرب والسلم ، والعلاقات مع غير المسلمين . أوضح أمور الفطرة وسننها . ودل على أسباب انهيار الأمم وفنائها . فتح للعقول طرق الاعتبار في القصص و الأخبار . أبطل العصبيات والفوارق في الجنس واللون : « كلكم لآدم وآدم من تراب ، لا فضل لعربي على عجمي ، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى ».

إنه ينبوع الملل ، وأساس الديانات ، فكله أحكام عادلة ، وإدارة رشيدة ، وسياسة حكيمة ﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ . ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ اللهم أصلح 000000

أقول

الخطبة الثانية:

الحمد لله

أمة الإسلام : لقد بلغ المسلمون الغاية عندما كانت صلتهم بهذا الدين وثيقة ، فانتظم أمرهم ، واجتمع شملهم ، وعزت دولتهم . والتاريخ على ذلك شاهد.

ولما ضعفت هذه الصلة ،وبعدت على المسلمين الشقة ، ظهرت فيهم المخالفات الفاحشة ، وانقلبت لديهم المفاهيم ، وشوهت حقائق الدين ، بل لقد شاعت فيهم بدع وخرافات ، وتعبدت طوائف منهم بغير شرع الله ، وتقربوا بغير ما أنزل الله ، جهلوا حكمه وأحكامه ، وعدلوا إلى غيره ، وركنوا إلى الذين ظلموا ، ففشا فيهم فساد الأخلاق . وانتشر الخلف والنفاق ، وظهرت الأحقاد ، فتفرقت الكلمة ، وفرطوا في الحاضر والمستقبل ، وقنعوا بحياة يأكلون فيها وينامون ، لا ينافسون في فضائل ، ولا يتطلعون إلى مكارم . يلهثون وراء أعداء الإسلام ، مصادمة للشريعة ، وتنكباً للطريق . أيها المسلمون :

إن من مقتضيات الإيمان أن يعرف المرء لنفسه حدوداً يقف عندها ، ومعالم ينتهي إليها ، أما الركض وراء النزوات من غير ضابط ، فلا يبني مجداً ، ولا يعيد حقاً ، والأمة التي تغلبها أهواؤها ، فتنسى ما كلفت به ، وتمضي وفق هواها لا وفق هداها ، أمة ليست جديرة برعاية ، وليست أهلاً لتحمل المسؤولية والأمانة ، فاتقوا الله عباد الله ، وعظموا أمر دينكم ، واعتزوا بالانتساب إليه ، وفاخروا بالانتماء إليه ، وإياكم ودعاة التقريب بين الأديان ، دعوة إلى التقريب بين الإسلام واليهودية والنصرانية ، دعوة إلى بناء مسجد ومعبد وكنيسة في محيط واحد، دعوة إلى وضع القرآن والتوراة والإنجيل في مكان واحد ، ويعقد لذلك مؤتمرات وندوات ، بل قد وصل الحال ببعضهم بأن يقول إن اليهود والنصارى موحدون ، ويردد ذلك وللأسف بعض المنتسبين للإسلام ، أموحد من يقول ﴿ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ﴾ أموحد من يزعم أن ﴿ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ﴾ أصديق من يقول ﴿ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ﴾ أمحب من يقول ﴿ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾ ، يا معشر المخدوعين ، يا ثلة المنهزمين ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ أينكم من قول الله جل وعز ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ وأينكم من قوله تعالى ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ فكل دين غير دين الإسلام فهو كفر وضلال ، لكنها الانهزامية المقيتة ، والتبعية المفرطة ، التي أخلت بالمسلمات ، وزعزعت الثوابت ، وإن زعمتم أنها تقدم وانفتاح ، لكنه الضلال البواح ، انظروا إلى واقع إخوانكم اليوم في فلسطين ، وكم يعانون من تكالب قوى الطغيان في المشرق والمغرب ﴿ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾ تأملوا أحكام القرآن ، ونصوص السنة ،بفهم سلف الأمة، وطبقوها على واقعكم اليوم ، لتعلموا أنكم قد انتسبتم إلى دين عظيم ، وشرع قويم ،