مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه (الجزء الثاني)


إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.


أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


عباد الله

‏بعد أن ظهرت بوادر الفتن في آخر عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وخطب تك الخطبة العظيمة التي بكى فيها وأبكي فيها الناس هدأت الأمور قليلا


فلم يرق ذلك الصفو والهدوء لدعاة الشر والثورات والفتن  فتكاتب هؤلاء المفتونين مرةً أخرى من مصر إلى مصر و تراسلوا وزوّرا كتباً على لسان الصحابة يدعون الناس إلى قتال عثمان فاستجاب المفتونون لهذه الأكاذيب وخرجوا من مصر وعددهم قيل ستمائة وقيل بل يصلون إلى الألف خرجوا يظهرون للناس أنهم حجيج وهذا من مكرهم وكذبهم ومعهم رأس الفتنة عبد الله بن سبأ وخرج أهل الكوفة وكذا البصرة خرجوا وهم مصرون على خلع أمير المؤمنين وإسقاط الخليفة  عثمان بن عفان رضي الله عنه  فاجتمعوا كلهم وزحفوا على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاطوا ببيوت الصحابة وتجمهروا عند دار عثمان أمير المؤمنين وقالوا للناس من كف يده فهو آمن فكف الناس ولزموا بيوتهم وأقام الناس على ذلك أياما وهم لا يدرون ما القوم صانعون وعثمان يخرج من داره فيصلي بالناس


فلما كان في بعض الجمعات قام عثمان يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليه رجل من أولئك المفتونين فسبه ونال منه وأنزله عن المنبر ومن بعدها تجرؤوا على عثمان وحصبوه حتى صرع مغشياً عليه فحُمِل إلى داره ودخل عليه جماعة من الصحابة منهم: أبو هريرة وابن عمر وزيد بن ثابت، وعزموا على المدافعة عن عثمان أمير المؤمنين فبعث إليهم يقسم عليهم ويأمرهم أن يكفوا أيديهم ويسكنوا حتى يقضي الله ما يشاء


وبعدها أحاط المفتونون بدار عثمان محاصرين له ونهى عثمانُ الصحابةَ وأبناءَهم عن القتال دونه حتى لا يسفك دم في المدينة النبوية بسببه ثم انقطع عثمان أمير المؤمنين عن المسجد بالكلية بعد أن حاصروه أكثر من شهر ومنعوه الماءَ والطعامَ


والخروجَ إلى المسجد وتهددوه بالقتل


قال عثمان رضي الله عنه: (إنهم ليتوعدونني بالقتل آنفا. وبم يقتلوني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل كفر بعد إسلامه أو زنا بعد إحصانه أو قتل نفساً بغير نفس» فوالله ما زنيت في جاهليةٍ ولا إسلامٍ قط، ولا تمنيت بدلاً بديني مذ أن هداني الله له، ولا قتلت نفساً فبم يقتلوني؟


وقال لهم والله لئن قتلتموني لا تتحابوا بعدي أبدا ولا تصلون جميعا أبدا ولا تقاتلون جميعا أبدا) قال الحافظ ابن كثير : وقد صدق فيما قال رضي الله عنه.


وقال عثمان للذين عنده في الدار من أبناء المهاجرين والأنصار وكانوا قريباً من سبعمائة قدِموا للدفاع عن عثمانُ أميرِ المؤمنين فقال لهم: أقسم على من لي عليه حق الطاعة أن يكف يده وأن ينطلق إلى منزله, وقال لرقيقه: من أَغمد سيفه فهو حر.


 تقول نائلة بنت الفرافصة زوج عثمان رضي الله عنه إن عثمان أغفى فلما استيقظ قال إن القوم يقتلوني. قلت كلا يا أمير المؤمنين. قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر في المنام فقالوا صم يا عثمان فإنك تفطر عندنا. فأصبح صائماً وكان الماء لا يصل إليه إلا خفيه من دار إلى دار ثم دعا بسراويل فشدها وإنما لبسها رضي الله عنه في هذا اليوم لئلا تبدو عورته إذا قتل لأنه كان شديد الحياء ووضع بين يديه مصحف يتلو فيه واستسلم لقضاء الله وكف يده عن القتال ولم يغب عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «بشره بالجنة على بلوى تصيبه».


ولم يبقى عنده أحد سوى أهله فعند ذلك أظهر المفتونون ما يريدونه من الشر من أمير المؤمنين فتسوروا عليه الجدار وأحرقوا الباب ودخلوا عليه وليس فيهم بحمد الله أحد من الصحابة ولا أبنائهم إلا محمد بن أبي بكر فإنه دخل معهم دار عثمان وأخذ بلحيته فقال له عثمان:"يا بُني لقد أخذت بلحية كان أبوك يكرمها" فاستحى ورجع ودافع عن عثمان فلم يقدر وكان أمر الله قدرا مقدورا.


فدخل عليه رجل فخنقه خنقا شديدا وجعلت نفسه تتردد في حلقه و كان رضي الله عنه شيخاً كبيرا قد جاوز عمره الثمانين فلم يرحموا شيبته وضعفه ولم يعظموا حرمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأي صلاح وإنكار للمنكر يرجى من ورائهم


ثم دخل عليه رجل آخر ومعه سيف فضربه به فاتقاه عثمان بيده فقطعها فقال عثمان: والله إنها لأول يد كتبت سور المفصل. فسقطت أول قطرة دم من يده على قوله تعالى ﴿فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم﴾.


ثم أقبل عليه رومان بن سودان فقال: على أي ملة أنت يا نعثل؟! فقال عثمان:«لستُ بنعثل! ولكني عثمان بن عفان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا على ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين»، فقال الفاجر: كذبت، وضربه على رأسه، فخر رضي الله عنه.


فوثب عليه رجل يقال له عمر بن الحمر فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال أما ثلاث منهن فلله وست على ما كان في صدري عليك يا عثمان ففاضت روحه رضي الله عنه وأرضاه فإنا لله وإنا إليه راجعون


قتلوا عثمان ولي أمرهم مع ماله من الفضائل والمناقب العظيمة فمن يرضيهم بعد ذلك من ولاة الأمر


فلما سمع الصحابة بمقتل أمير المؤمنين حزنوا حزنا شديدا على إمامهم


 ‏ولما سمع سعد بن أبي وقاص بمقتل عثمان رضي الله عنه  استغفر له وترحم عليه ثم قال في الخوارج (اللهم أندمهم ثم خذهم اللهم أندمهم ثم خذهم) وقد أقسم بعض السلف بالله عز وجل أنه ما مات أحد من قتلت عثمان إلا مقتولا


فاللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منا وما بطن يا ارحم الراحمين

 

الخطبة الثانية:


الحمد لله …


أما بعد فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه وراقبوه..


قال الحسن البصري رحمه الله : كان السيف مغمداً عن أهل الإسلام فسلوه على أنفسهم فو الله مازال مسلولا إلى يومنا هذا ووالله إني لأُراه سيفاً مسلولا إلى يوم القيامة.


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (فلمّا قتل عثمان تفرقت القلوب وعظمت الكروب وظهرت الأشرار وذل الأخيار وسعى في الفتنة من كان عاجزا عنها وعجز عن الخير والإصلاح من كان يحب إقامته). انتهى كلامه


وهذه عاقبة الفتن والثورات في كل زمان ومكان


ألم تروا كيف قتل بسببها الآلاف وشرد الملايين


وانتهكت الأعراض ويتم الأطفال وترمل النساء


فإنا لله وإنا إليه راجعون


‏فاللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وسائر بلاد المسلمين

اللهم وارض عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر و عثمان وعليّ وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.


اللهم اعز الإسلام والمسلمين

وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين


اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين


اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا


ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين