فضل طلب العلم


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.


أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة


أيها المؤمنون: إن أشرف المطالب، وأعلى المواهب؛ طلب العلم الشرعي، والعناية بتحصيله، ومن وُفِّق لطلب العلم فقد وُفق للخير كله؛ كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».


إن حاجة المسلم إلى طلب العلم الشرعي والعناية به من أشد الحاجات وأعظمها  فبالعلم يعرف التوحيد من الشرك والسنة من البدعة والحلال من الحرام و أسباب دخول الجنة والنجاة من النار ؛ بل  إن سعادته وفلاحه في دنياه وأخراه متوقفٌ على العلم، فلا سبيل إلى الجنة ولا وسيلة لتحصيل تمام المنة إلا بالعلم وتحصيله، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».


عباد الله-: ويكفي أهل العلم شرفا وفضيلةً ونُبلا أنَّ الله -سبحانه وتعالى- قرَن شهادتهم بشهادته جل في علاه في أعظم مشهودٍ به؛ ألا وهو توحيده سبحانه؛ قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.


ونوَّه- تبارك وتعالى- بفضلهم في آياتٍ كثيرات، وميَّز بينهم وبين من سواهم من العباد، قال الله - تبارك وتعالى-: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.


وقال الله -تبارك وتعالى-: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾.


عباد الله-: والعلم مراتب: أولها -كما قال أئمة السلف ومنهم عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى-:

 أولها: النية، ثم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر؛ ألا ما أعظمها من رُتبٍ في الفضيلة وعلوٍ ورفعة عندما يوفق المرء لتحقيقها والعمل على تحصيلها.


العلم هبةٌ إلهية ومنَّة ربانية يمنُّ بها -جل وعلا- على من شاء من عباده؛ فسل الله وأقبِل عليه بصدقٍ جل في علاه أن يمنَّ عليك بالعلم النافع، وأن يشرح صدرك لتحصيله ونيله، وأن يجعلك من أهله، فإذا صدقتَ مع الله في سؤالك، وبذلتَ الأسباب النافعات، والوسائل المفيدات؛ أعطاك الله -تبارك وتعالى- من العلم حظًا ونصيبا، قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.


‏اللهم إنا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا


الخطبة الثانية

الحمدلله ….

واشهد ان لا اله الا الله …..


عباد الله-: ومن أهم ما يكون في هذا المقام أن يتحلى المسلم بالأخلاق الفاضلات، والآداب الكاملات، التي هي عنوانٌ لفلاح صاحبها؛ قال عبد الله ابن المبارك -رحمه الله تعالى-: «كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين».


ولهذا -عباد الله- ينبغي على المسلم: أن يجاهد نفسه على التحلي بأخلاق الإسلام، وآدابه العظيمة، أدبًا مع العلم نفسه، وأدبًا مع أهله وحملته، وأدبًا مع الكتب المباركات النافعات التي سُطِّرت فيها مسائل العلم ودلائله.


عباد الله: ومما ينبغي أن يُعلم أن طلب العلم عبادة من العبادات وقربة من القرب، بل هو من أعظم ما يُتقرب به إلى الله -جل وعلا-؛ قال بعض السلف: «ما تُقرب إلى الله بشيء مثل طلب العلم».


فطلب العلم عبادة، وكل عبادة لا يقبلها الله إلا إذا كانت خالصةً لوجهه جل في علاه، قال الله -تعالى-: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.


ولهذا عباد الله: من طلب العلم الشرعي لا يطلبه إلا رياءً أو سمعة، ولا يطلبه إلا لأجل الدنيا، ولا يطلبه إلا لأجل الشهرة، أو لمجاراة العلماء، أو مماراة السفهاء، أو صرف وجوه الناس إليه، أو غير ذلك من الأغراض فإنه لا يجد عليه يوم القيامة ثوابًا ولا أجرا؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- لا يقبل من الأعمال ومنها طلب العلم إلا ما كان خالصًا لوجهه وابتغاء مرضاته جلَّ في علاه، وهو القائل سبحانه في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ».


اللهم اعز الإسلام والمسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين

اللهم اصلح احوالنا واحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين