فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

أيها المسلمون: خلَق اللهُ الخَلْقَ وفاضَل بينَهم، وخيرُ العبادِ نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، فاصطفاه الله لنفسه وابتعثه برسالته، وخيرُ صحبٍ للرسل أصحابُ نبيِّنا محمد -عليه الصلاة والسلام-، وخيرُهم خلفاؤُه الأربعةُ من بعده، وأكمَلُهم وأعلاهم منزلةً الصِّدِّيق الأكبر، ثم عمر الفاروق ثم ذو النورين عثمان، ورابع الأربعة العظماء أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام


كان في حِجر رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ الإسلام، فتربَّى في بيته، وبادَر إلى الإسلام، وهو دون عشر سنين، وكان أهل مكة يضعون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودائعهم لما يعلمون من صدقه وأمانته، فلمَّا أراد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يهاجر أمَر عليًّا -رضي الله عنه- أن يتخلَّف عنه بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس، فلمَّا أدَّاها هاجَر -رضي الله عنه- إلى المدينة، وزوَّجه النَّبيُّ صلى الله عنه ابنتَه فاطمةَ -رضي الله عنها-، وأعانَه في جهازها.


شَهِدَ له النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالجنَّة أكثرَ من مرة، وأخبر أنَّه من الشهداء، وأنَّه يحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبُّهُ اللهُ ورسولُه، حبُّه علامة إيمان، وبغضُه علامة نفاق، قال علي -رضي الله عنه-: «والذي فلق الحبة وبرأ النَّسَمة إنه لَعهدُ النبيِّ الأميِّ -صلى الله عليه وسلم- إليَّ ألَّا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق» (رواه مسلم)، وهذا قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق» (متفق عليه)، فمَنْ أحبَّ عليًّا وأحبَّ مَنْ هو أولى منه بالمحبة وأعلى في المنزلة كالخلفاء الثلاثة الراشدين، فقد أتى شُعبةً من شُعَب الإيمان، ومَنْ أبغَضَه أو أبغَض مَنْ هو خير منه من الصحابة فقد وقَع في شُعبة من شُعَب النفاق.


اشتهر رضي الله عنه بالشجاعة والإقدام، وأعطاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- اللواء في مواطن كثيرة


ففي غزوة بدر أراد الوليد بن عتبة أحد رؤوس الكفر أن يظهر شجاعته، فبرز له علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعمره عشرون عامًا فقَتَلَه، وشهد الحديبية فبايع مع الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة على الموت،


وكان هو مَنْ كتَب الصلحَ بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل مكة، وفي خيبر حمل -رضي الله عنه- رايةَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وقتَل زعيم اليهود مَرْحَبًا، وافتتح حصنه بعد أن استعصى على الناس، وشهد غزوة حنين، قال أنس -رضي الله عنه-: كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أشدَّ الناس قتالًا بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي غزوة تبوك استخلفه النبي -صلى الله عليه وسلم- على المدينة لما رأى من أمانته، وقال له: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى»؛ أي: في الصحبة والمنزلة لا النبوة. (متفق عليه).


كان رضي الله عنه كريمَ المعشرِ حَسَن الخُلُق، وفيًّا معترِفًا بفضل مَنْ سبَقَه، موقِّرًا للخلفاء قبلَه، مُظهِرًا لمحبتهم، فبادَر إلى بيعة أبي بكر -رضي الله عنه- بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم بايَع عُمَرَ وعثمان في خلافتهما، وكان لثلاثتهم نِعْمَ الوزيرُ والمستشارُ في القضاء والحرب والفتوى.


ولَمَّا قُتِلَ عثمانُ -رضي الله عنه- لم يكن أحد أحق بالخلافة منه، فبايعه الناس وارتضوه وكان المسلمون كلهم معترفين بفضله وسابقته بعد قتل عثمان، وأنه لم يبق في الصحابة مَنْ يماثله في زمن خلافته، قالت عائشة -رضي الله عنه- لعبد الله بن بديل يوم وفاة عثمان: «الزم عليًّا؛ فواللهِ ما غيَّر ولا بدَّل»

قام في النَّاس في خلافته بالعدل، لا يحيد عن الكتاب والسُّنَّة، وكان يتحرَّى سُنَّة الخلفاء الراشدين مِنْ قَبلِه ويعمل بها ولا يخالفها

ومع سعة علمه كان وَرِعًا وقَّافًا عمَّا لا يعلم، خرَج على أصحابه يومًا فقال: «ما أبرَدَها على الكَبِد، ما أبردَها على الكَبِدِ، فقيل له: وما ذاكَ؟ قال: أن تقول للشيء لا تعلمه: اللهُ أعلمُ».

مُلازِم للسُّنة، حريصٌ عليها يقول: «ما كنتُ لِأَدَعَ سنةَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقول أحد» (رواه البخاري)


ناصح للأمة، كثير الموعظة والعبادة والذِّكْر، حريص على الخير والإنفاق، متين الديانة لا يحابي في دين الله أحدًا، بُلِيَ في خلافته بفئة جعلته إلهًا فحرَّقَهم غضبا لله تعالى ، وبُلِيَ بطائفة كفَّرَتْه فقاتَلَهم، كان متقلِّلًا من الدنيا مُعرِضًا عن زهرتها وفتنتها، قال مسلم بن هرمز -رحمه الله-: «أعطى عليٌّ الناسَ في سنة أربعَ عطيَّات، ثم كنَس بيت المال وصلى فيه ركعتين وقال: يا دنيا غري غيري».


ولشجاعته وقوة شكيمته لم يقتله الخوارج إلا غدرًا، فقُتِلَ شهيدًا -رضي الله عنه- وهو خارج إلى صلاة الفجر، ولم يخلف من متاع الدنيا شيئًا، قال الحسن بن علي بعد قتل علي -رضي الله عنهما-: "ما ترك من صفراء ولا بيضاء، إلا سبعمائة درهم من عطائه، كان يرصدها لخادم لأهله"(رواه أحمد).

فاللهم ارض عنه وعن أصحاب نبيك واحشرنا في زمرتهم


الخطبة الثانية

الحمدلله رب العالمين ‏ ‏وأشهد أن لا اله الا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين


وبعد أيها المسلمون: فَحُبُّ الصّحابةِ دِينٌ وقُربةٌ، وكلُّ خيرٍ فيه المسلمون إِنَّما هو ببركة ما فعَلَه الصَّحابةُ الذين بلَّغوا الدينَ، والله خصَّ الخلفاءَ الراشدينَ بفضائل لم يختصَّ غيرُهم بها؛ شَهِدَ لهم النَّبيُّ صلى الله علية وسلم بالهدى والرشاد، وأمَر باتباع سنتهم، ولزوم طريقهم، وخير الصحابة تبع لخير الخلفاء الراشدين، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسَّكوا بما استطعتُم من أخلاقهم ودينهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم، ومن أحب الصحابة حشر معهم،


ومِنْ حبِهم نُصْرتُهم والذبُ والدفاعُ عنهم والثناءُ عليهم والاقتداءُ بهم، ومن أسباب محبتهم مطالعة سيرهم وسماعها، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.


‎ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

‎اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مطمئنًّا رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم وفِّق إمامَنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق ولي عهده لما فيه خير الإسلام والمسلمين يا رب العالمين؛ ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].

 

‎عبادَ اللهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].