حر الصيف

خطبة : حر الصيف 1445/1/10

الخطبة الاولى 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً) .  
أما بعد:، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

عباد الله: إن في تقلُّب الليالي والأيام، وفصول السنة والأعوام، وغيرها من المظاهر الكونية، والتغيرات المناخية والجوية، عبرة لنا أي عبر، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَار) 

ينوع الفصول، ويبدل الليالي والأيام، فليل ونهار، وصيف وشتاء، وخريف وربيع، فنحن نعيشُ هذه الأيام مع فصل الصيف موعظةً بليغةً، ودروسًا عظيمة، يشهدُها السميع والبصير، ويُدركها الأعمى والأصم.

الصيفُ -عباد الله- ولاسيما إذا اشتد حرُّه يذكر بنار جهنم يوم القيامة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها سبحانه بنفسين، نفس في الصيف ونفس في الشتاء", قال -صلى الله عليه وسلم-: "وأشد ما تجدون من الحر في الصيف من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد في الشتاء من زمهرير جهنم".رواه البخاري ومسلم

وقال عليه الصلاة والسلام : "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم".

في زَمَن الحَرِّ يتذكَّر المؤمِن شِدَّةَ حرِّ النّار غيرِ المتَناهي أبَدَ الآبدين ودَهرَ الدّاهرين، فيُقبِل حينئذٍ بقلبه على الله (وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)

فإذا كان هذا حَرُّ الصيف نَفَسَاً لجهنم، فكيف بجهنم نفسَها؟! (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَاْتِكُمْ نَذِيرٌ) [الملك:7-8]، وقال سبحانه: (إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)، 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ" قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا". أعاذنا الله وإياكم ووالدينا وجميع المسلمين منها.

وكان بَعضُ السَّلف إذا رجَع من الجُمُعة في حرِّ الظهيرةِ يذكر انصرافَ الناسِ مِن موقف الحسابِ إلى الجنّة أو النار، فإنَّ السَّاعةَ تقوم يومَ الجمُعة، ولا يَنتَصِف ذلك النهار حتى يَقيل أهلُ الجنّة في الجنّة وأهلُ النّار في النار، ثم تلا: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)

فاللهم انا ‏نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل

الخطبة الثانية :
‏الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا اله الا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين اما بعد
يا اخوتاه حقٌّ على العاقِلِ أنْ يَسْأَلَ نفسه وهو يتقي حرّ الدنيا: ماذا أعدّ لحرِّ الآخرة ونارها؟ يا مَن لا يصبر على وقفة يسيرة في حرِّ الظهيرة، كيف بك إذا دنت الشمس من رؤوس الخلائق، وطال وقوفهم، وعظم كربهم، واشتد زحامهم؟!.
 قال رسول الله: "تُدنى الشمس يوم القيامة من الخَلْق حتى تكون منهم كمقدار مِيل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرَق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا"، قال: وأشار رسول الله بيده إلى فيه.

تلكم نارُ الآخرة، وذاك حرُّ الموقف، فأين المتقون- ياعباد الله؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)

حافظوا على الصلاة في اوقاتها في المساجد
بروا والديكم  مروا بالمعروف  وانهوا عن المنكر ، وارحموا العمالة الكادحة مِن حَرِّ الظهيرة، فهم بشَر يشعرون، وعن لقمة العيش يبحثون، فلا تكلفوهم ما لا يطيقون، وارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء.

اللهم اعز الاسلام والمسلمين
‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين
اللهم اصلح احوالنا واحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك الحق ردا جميلا

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين