هم الرزق

خطبة ؛ هم الرزق 1445/7/21
الخطبة الاولى ؛ 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
أما بعد:، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

عباد الله كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ أَنْ نُجَدِّدَ عَقِيدَتَنَا مَعَ الرِّزْقِ, مَعَ هَذَا الْهَمِّ الَّذِي أَصْبَحَ جَاثِمًا عَلَى قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَأَكَلَ قُلُوبًا، وَأَشْغَلَ عُقُولًا؛

 فَعَالَمُ الْيَوْمِ بِمَا يَشْهَدُهُ مِنْ تَغَيُّرَاتٍ اقْتِصَادِيَّةٍ، وَتَقَلُّبَاتٍ مَالِيَّةٍ، وَرُؤًى مُسْتَقْبَلِيَّةٍ غَيَّرَ كَثِيرًا مِنَ النُّفُوسِ وَالْأَخْلَاقِيَّاتِ، حَتَّى أَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعِيشُونَ هَمًّا وَقَلَقًا، مِنَ الرِّزْقِ وَذَهَابِهِ، وَخَوْفًا مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ وَغِيَابِهِ

يا عباد الله مَهْمَا حَرَصَ الْإِنْسَانُ عَلَى الرِّزْقِ أَوْ كَرِهَ فَسَيَأْتِيهِ رِزْقُهُ بَقَدَرٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْرٍ مَوْزُونٍ، يَقُولُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ، حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا".

إنه الله جل جلاله رِزْقُهُ عَظِيمٌ كَرِيمٌ، شَمِلَ كُلَّ خَلْقِهِ؛ مِنْ إِنْسٍ وَجَانٍّ، وَطَيْرٍ وَحَيَوَانٍ، فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَالسَّهْلِ وَالْوَعْرِ،، كُلُّهُمْ سِيقَتْ لَهُمْ أَرْزَاقُهُمْ سَوْقًا قال ربنا جل جلاله  
(وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ ما أُريدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَما أُريدُ أَن يُطعِمونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتينُ)  
(وَكَأَيِّن مِن دابَّةٍ لا تَحمِلُ رِزقَهَا اللَّهُ يَرزُقُها وَإِيّاكُم ۚ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ)

‏عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال "غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله لو سعرت ،فقال إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعر وإني لارجو أن ألقى الله ولا يطلبني ‏أحدن بمظلمة ‏ظلمتها إياه في دم ولا مال" 

قيل لأعرابي: لقد أصبح رغيف الخبز بدينار!فأجاب: والله ما همني ذلك ولو أصبحت حبة القمح بدينار! أنا أعبد الله كما أمرني, وهو يرزقني كما وعدني.

عباد الله ؛ الله له الحكمة البالغة في الخلق والتقدير، والتضييق على عباده والتيسير، وله الحكمة البالغة في الحُكم والتشريع، فأحكام شريعته كلها عدل ورحمة وحكمة، مصلحة للعباد في دنياهم وأخراهم: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)

 فله الحمد في منعه وعطائه.
 وعلى العباد إذا وسع عليهم أرزاقهم: أن يشكروه، ويقوموا بما يجب عليهم في هذه الأرزاق.
 وعلى العباد إذا قُدرت عليهم أرزاقهم: أن يصبروا على تقدير الواحد الخلاق، فهم أعلم بمصالحهم، وهو أرحم بهم من أمهاتهم.

قسم الله الرزق على عباده، ليعرفوا بذلك أنه المدبر لجميع الأمور، وأن بيده مقاليد السماوات والأرض، فهذا يوسع عليـه، والآخر يضيـق عليـه، ولا راد لقضـائه وقدره: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

بسط العليم الحكيم
 الرزق لبعض العباد، وضيقه على بعضهم، ليعتبروا بهذا التفاوت في الدنيا تفاوت ما بينهم في درجات الآخرة
(انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)
فعلينا -معشر المسلمين-: أن نرضى به ربا، فنرضى بقَسْمِه وأقداره، وأن نرضى به حكما، فنؤمن بحكمه وأسراره.

يا عباد الله 
. الْكَثِيرَ مِنَّا يَنْظُرُ إِلَى الرِّزْقِ نَظْرَةً قَاصِرَةً، فَيَظُنُّ أَنَّ الرِّزْقَ هُوَ الْمَالُ وَحَسْبُ،
وينسى   صُنُوفًا عديدة من الرزق أعظم واجل من المال    يَنْعَمُ بِهَا، وَيُغْبَطُ عَلَيْهَا؛ فَالْإِيمَانُ رِزْقٌ، وَالْعِلْمُ رِزْقٌ، وَالْقُرْآنُ رِزْقٌ، وَالْخُلُقُ الْحَسَنُ رِزْقٌ، وَالزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ رِزْقٌ، وَالذُّرِّيَّةُ الطَّيِّبَةُ رِزْقٌ، وَالصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ رِزْقٌ، وَالْأَمْنُ رِزْقٌ، وَالتَّوْفِيقُ لِفِعْلِ الْخَيْرِ رِزْقٌ.
 فَانْظُرْ وَاسْتَشْعِرْ هَذَا الرِّزْقَ الْمَوْجُودَ، وَلَا تَتَحَسَّرْ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ وَمَا هُوَ مَفْقُودٌ, وَتَيَقَّنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْتُبُ لِعَبْدِهِ إِلَّا الْخَيْرَ لَهُ, (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ)

اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم  

الخطبة الثانبة 
الحمدلله رب العالمين  
وأشهد ان لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد ان محمدا عبده ورسوله الهادي الأمين

عباد الله ومن الْأَعْمَالِ التي دَلَّ الدليل انه يَكُونُ مَعَهَا الرِّزْقُ؛: تَقْوَى اللَّهِ -وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).  وكَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ
و التَّوَكُّلِ لِلَّهِ، وَأَنْ تُجَدِّدَ هَذِهِ الْعِبَادَةَ الْقَلْبِيَّةَ فِي صُبْحٍ وَمَسَاءٍ، وَفِي الْحَدِيثِ: "لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ؛ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا"
وصِلَةُ الْأَقَارِبِ وَالْأَرْحَامِ وَخُصُوصًا الْوَالِدَيْنِ مِفْتَاحٌ يَدِرُّ لَكَ الرِّزْقَ دَرًّا، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
ولَا تَنْسَ أَنْ تلح على  اللَّهِ بالدعاء؛ فَاللَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ، ثم اعمل بكل سبب مشروع للرزق الحلال 

فاللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، وَارْزُقْنَا مِنْ حَيْثُ لَا نَحْتَسِبُ.
اللهم انا نسألك الجنة وما قرب اليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل 
اللهم اعز الاسلام والمسلمين
‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

اللهم انج المستضعفين من المؤمنين في الشام وفي كل مكان اللهم اجعل لهم فرجا ومخرجا
اللهم عليك بأعداء الدين من اليهود والنصارى والمنافقين 
اللهم اجعل كيدهم في نحورهم ومزقهم كل ممزق 

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء.  والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين
اللهم اصلح احوالنا واحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا

(ارفع يديك )
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا 
اللَّهمَّ أنتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الغَنيُّ ونحنُ الفقراءُ أنزِلْ علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَ لَنا قُوَّةً وبلاغًا إلى حينٍ 
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين

‏اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين