فضائل الجمعة

بسم الله الرحمن الرحيم

فضائل الجمعة

عباد الله :

من رحمة الله تعالى بعباده أن جعل لهم مواسم للاجتهاد في الطاعات ، وأزمنة للتنافس في الصالحات ، ومناسبات متكررة للإقبال على العبادات ، ويوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس ، سيد الأيام ، وعيد أهل الإسلام ، أضل الله عنه الأمم من قبلنا ، وهدانا إليه وارتضاه لنا ، لما فيه من الخصائص والفضائل التي لا توجد فيما سواه . وأعظمها صلاة الجمعة ، التي هي من آكد فروض الإسلام ، ومن أعظم مجامع المسلمين ، من تركها تهاوناً طبع الله على قلبه ، فقد روى الإمام مسلم في صحيحة عن عبد لله بن عمر وأبي هريرة - رضي الله تعالى عنهما - أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره : « لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثم ليكونن من الغافلين » . ومن خصائص يوم الجمعة أنه يغفر للعبد ما بينه وبين الجمعة الأخرى فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم أتي الجمعة فاستمع وأنصت ، غفرله مابينه وبين الجمعة الأخرى» . رواه مسلم . وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر » . وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ، ويمس من طيب بيته ، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام ، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى » . رواه البخاري

وعن يزيد بن أبي مريم قال : ( لحقني عباية بن رفاعة وأنا أمشي إلى الجمعة ، فقال أبشر، فإن خطاك هذه في سبيل الله ، سمعت أبا عبس يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من اغبرت قدماه في سبيل الله ، فهما حرام على النار » ). رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . ومن فضائلها مضاعفة أجر شاهدها فعن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من غسل يوم الجمعة واغتسل ، وبكر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام فاستمع ، ولم يلغ ، كان له بكل خطوة عمل سنة ، أجر صيامها وقيامها » رواه أحمد وغيره .

ومن فضائلها أنها من خير الأيام فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه دخل الجنة وفيه أخرج منها » .رواه مسلم ، ومن خصائصها : كثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فعن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي » . قالوا : كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ أي : بليت . فقال : « إن الله جل وعلا حرم على الأرض أن تأكل أجسامنا » . رواه أبو داود وغيره .

ومن فضائلها استجابة الدعاء لمن وفق لساعتها فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال : « فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي ، يسال الله شيئاً ، إلا أعطاه إياه . وأشار بيده يقللها » . رواه البخاري ومسلم .

ومن آدابها الغسل لها والسواك والطيب فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، وسواك ، ويمس من الطيب ما قدر عليه » . رواه مسلم وغيره .

الخطبة الثانية:

فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالتبكير للجمعة ، ورغب فيه ، لما في ذلك من الخير والفضيلة ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن صلى الله عليه وسلم قال « إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول ، فإذا جلس الإمام طووا الصحف ، وجاءوا يستمعون الذكر ، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي البدنة ، ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كالذي يهدي الكبش ، ثم كالذي يهدي الدجاجة ، ثم كالذي يهدي البيضة » متفق عليه ، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد معهم الصحف يكتبون الناس ، فإذا خرج الإمام طويت الصحف » . قلت : يا أبا أمامة ! أليس لمن جاء بعد خروج الإمام جمعة ؟ قال : بلى ، ولكن ليس ممن يكتب في الصحف . رواه أحمد . وفي التبكير لصلاة الجمعة فضائل كثيرة منها : تحصيل مكان في الصف الأول ، خير صفوف الرجال ، والحصول على فضيلة انتظار الصلاة ، وحصول الاشتغال بذكر الله ، بصلاة النافلة ، وقراءة القران ، والتسبيح والتهليل ، والتكبير والدعاء ، وهذه الفضائل كلها تفوت على المتأخر . وإن مما يؤسف له يا عباد الله : أن يقل اهتمام المسلمين في هذه الأيام بالتبكير لصلاة الجمعة ، حتى إن بعضهم لا يأتي إليها إلا عند دخول الإمام ، أو عند الإقامة ، فيأتي يتخطى الرقاب ، ويؤذي المسلمين ، ويشوش عليهم .

ولقد كان السلف الصالح ، يتسابقون في دخول المساجد يوم الجمعة ، فإذا دخل أحدهم المسجد ووجد فيه من سبقه حزن واهتم ، واحتقر نفسه ، فقد خرج عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - إلى الجمعة فوجد ثلاثة و قد سبقوه ، فقال : رابع أربعة ! وما رابع أربعة ببعيد ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات ، الأول والثاني والثالث » . رواه ابن ماجه . ومما يجب على المسلم أثناء الخطبة : الاستماع والإنصات ، وألا يتخطى رقاب الناس ، ولا يفرق بينهم ، ويحرم عليه الكلام والإمام يخطب ، كما عند أحمد وأبي داود بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال « يحضر الجمعة ثلاثة نفر ، رجل حضرها يلغو وهو حظه منها ، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز وجل ، إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ، ورجل حضرها بإنصات وسكوت ، ولم يتخط رقبة مسلم ، ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام ، وذلك بأن الله عز وجل يقول : ﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾» . ومن المعلوم أن صلاة الجمعة ركعتين ، فإذا أدرك المسلم مع الإمام ركعة أتمها جمعة ، وإن دخل مع الإمام بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية فإنه يتمها ظهراً ، ولا جمعة له ، لأن الجمعة لا تقضى ، فإن لم يدركها مع الإمام فقد فاتت عليه . فاحرصوا رحمكم الله على صلاة الجمعة ، واجتهدوا في تحري آدابها والمحافظة عليها ، والالتزام بسننها ، لتنالوا اجرها فإن أجر الجمعة عظيم وثوابها جزيل