حكم الحج وفضله

الخطبة الأولى ؛

إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره،

ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا 

من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}

أما بعد:، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يقول الله -تعالى-:

(وَإِذ بَوَّأنا لِإِبرٰهيمَ مَكانَ البَيتِ أَن لا تُشرِك بى شَيـًٔا وَطَهِّر بَيتِىَ لِلطّائِفينَ وَالقائِمينَ وَالرُّكَّعِ السُّجودِ

.وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)

فذُكر أنه قال: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب اللّه أنه يحج إلى يوم القيامة

 

ومن رحمة الله بعباده ‏في شريعتنا السمحة أنه أوجب الحج على أصحاب الاستطاعة المالية والصحية والأمنية في العمر مرة واحدة؛ وقد بين أهل العلم شروط وجوب الحج على النحو التالي؛ فأولها البلوغ وثانيها: العقل، وثالثها: الاستطاعة بالمال والبدن وأمن الطريق، ورابعها المحرم للمرأة،

 

قال تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)

 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ, يَعْنِي الْفَرِيضَةَ, فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ"؛ فَفِي هَذَا الْحَديثِ: حَثٌّ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ مَتَى اِسْتَطَاعَ الْمُسلِمُ لِلْحَجَّ سَبِيلاً, وَتَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ وَالتَّسْوِيفِ، وَالْقَلُوبُ الْمُؤْمِنَةُ لَتَسْتَجِيبُ لأمرِ اللهِ تَعَالَى بالحجِّ, وَتَنْطَلِقُ شوقًا إِلَى بيتِهِ وَتُبَادِرُ فِيهِ؛ طَلَبًا لِمَغْفِرَتِهِ، وَالْفَوْزَ بِجَنَّتِهِ، وَالْعِتْقَ مِنْ نَارِهِ

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدِ اهتَمَّ نَبِيُّكُم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِالحَجِّ اهتِمَامًا عَظِيمًا، وَحَثَّ عَلَيهِ وَنَدَبَ إِلى تَعْجِيلِهِ، وَجَعَلَهُ مِن أَفضَلِ الأَعمَالِ وَأَحَبِّهَا إِلى اللهِ-  تَعَالَى-, بَل عَدَّهُ جِهَادًا في سَبِيلِ اللهِ،، وجعله من اسباب تَكْفيرِ الْخَطَايَا وَمَغْفِرَةِ الذُنُوبِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفضَلُ؟ فَقَالَ: "إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ" قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ" قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبرُورٌ"(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).

 

وَقَالَ  صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "العُمرَةُ إِلى العُمرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُمَا، وَالحَجُّ الْمَبرُورُ لَيسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ), وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَن حَجَّ هَذَا البَيتَ فَلَم يَرفُثْ وَلم يَفسُقْ رَجَعَ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ

 

وَفَضَائِلُ الْحَجِّ كَثِيرَةٌ، وَفَضْلُ اللهِ أَكْثَرُ وَأَكْبَرُ؛ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُعْرِفُهَا ثُمَّ يَرغَبُ عَنْهَا مِنْ أَقوَامٍ قَدْ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم بِالصِّحَّةِ وَاْلعَافِيَةِ وَالأَمنِ وَوَفرَةِ الأَموَالِ، بَلْ رُبَّمَا اِنْصَرَفُوا إِلَى رَحَلاتٍ وَأَسفَارٍ إِلى سَائِرِ البِلادِ وَالأَمصَارِ، وَقَد يَكُونُ مِنهَا شَيءٌ إِلى بِلادِ الكُفَّارِ، يَتَحَمَّلُونَ بِسَبَبِهِ التَّعَبَ وَيَحمِلُونَ الذُّنُوبَ وَالأَوزَارَ، في حِينِ أَنَّ تَعَبَهُم وَنَفَقَتَهُم فِي الحَجِّ مَكتُوبَةٌ لَهُم عِندَ رَبِّهِم، مَحفُوظَةٌ لَدَيهِ في مَوَازِينِ حَسَنَاتِهِم، وَمَعَ هَذَا يُفَرِّطُونَ فِيهَا

 

 بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية : الحمدلله

أيها المؤمنون: ومما ينبغي على من قصد حج بيت الله الحرام أن يتنبه للأمور الآتية:

أن يستشعر أنه خارج لأداء فريضة من فرائض الإسلام، وأركانه العظام؛ كما روى الأعلام عن خير الأنام -عليه الصلاة والسلام-: "بني الإسلام على خمس"،  وذكر منها: "حج البيت"(متفق عليه).

وأن يبادر بالتوبة إلى الله

وأن يتعلم هدي النبي عليه الصلاة والسلام في الحج

 وأن تكون نفقته مالًا حلالًا طيبًا طاهرًا، لا يخالطه حرام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا"(رواه مسلم).

 

وينبغي للحاج: أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة من السخاء والكرم وطلاقة الوجه، والصبر على الآلام وتحمل الناس، وعدم إيذاء أحد، وأن يكف لسانه عن الفحش والرفث والغيبة والنميمة والزور، وفي هذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"(رواه البخاري).

 

اللهم اهدنا الصراط المستقيم اللهم اعز الاسلام والمسلمين

 اللهم أصلح ولاة أمرنا وولاة أمور المسلمين في كل مكان

اللهم اصلح احوالنا واحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا

 

‏اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين