قصة أيوب عليه السلام

إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره،

ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا 

من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}

أما بعد:، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

 

نبي من أنبياء الله أثنى الله عليه وامتدحه بقوله: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي: رجَّاعٌ منيب،

فمن هذا النبي الكريم ؟

إنه أَيُّوبُ عليه السلام .

كان رَجُلًا كَثِيرَ الْمَالِ مِنْ سَائِرِ صُنُوفِهِ وَأَنْوَاعِهِ; مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْعَبِيدِ وَالْمَوَاشِي، والأراضي المتسعة بِأَرْض حُورَانَ بالشام ، وَكَانَ لَهُ كثير من الأَوْلَادٌ وَالأهل،

 

فابتُلي في ذلك كله وذهب عن آخره. ثم ابتُلي فِي جسده بأنواع الْبَلَاءِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ عُضْوٌ سَلِيمٌ سِوَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمَا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، ذَاكِرٌ لله عز وجل فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ.

 

وَطَالَ مَرَضُهُ حَتَّى عَافَهُ الْجَلِيسُ، وَأَوْحَشَ مِنْهُ الْأَنِيسُ، وَأُخْرِجَ مِنْ بَلَدِهِ وَأُلْقِيَ خَارِجَهَا خوفا من العدوى بمرضه ، وَانْقَطَعَ عَنْهُ النَّاسُ،   وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يَحْنُو عَلَيْهِ سِوَى زَوْجَتِهِ رضي الله عنها وأرضاها نعم الزوجة كَانَتْ تَرْعَى لَهُ حَقَّهُ، وَتَعْرِفُ قَدِيمَ إِحْسَانِهِ إِلَيْهَا وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، فَكَانَتْ تَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ فَتُصْلِحُ مِنْ شَأْنِهِ، وَتُعِينُهُ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَتَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِ،

 

ثم ضَعُفَ حَالُهَا وَقَلَّ مَالُهَا حَتَّى كَانَتْ تَخْدِمُ النَّاسَ بِالْأَجْرِ; لِتُطْعِمَهُ وَتَقُومَ عليه، وهى صابرةٌ مَعَه على ما حلَّ بِهِمَا مِنْ فِرَاقِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِهَا مِنَ الْمُصِيبَةِ بِالزَّوْجِ، وَضِيقِ ذَاتِ الْيَدِ وَخِدْمَةِ النَّاسِ، بَعْدَ ما كانت فيه من السَّعَادَةِ وَالنِّعْمَةِ والرخاء فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ!.

 

واستمر البلاء بأيوب عليه السلام ثماني عشرة سنة، وَلَمْ يَزِدْه هَذَا كُلُّهُ إِلَّا صبرا واحتسابا وحمدا وشكرا،

ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ تركوا استخدام امرأته؛ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهَا امْرَأَةُ أَيُّوبَ، خَوْفًا من أن تُعْدِيَهُمْ بِمُخَالَطَتِهِ، فَلَمَّا لَمْ تَجِدْ أَحَدًا يَسْتَخْدِمُهَا، بَاعَتْ ضَفِيرَتَيْهَا بِطَعَامٍ كَثِيرٍ، فَأَتَتْ بِهِ أَيُّوبَ، فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا؟ وَأَنْكَرَهُ، وَحَلَفَ أن لَا يَأْكُلُهُ حَتَّى تُخْبِرَهُ مِنْ أَيْنَ لَهَا هَذَا الطَّعَامُ؟ فَكَشَفَتْ خمارها عَنْ رَأْسِهَا،

 

وروى بعض أهل العلم أن أيوبَ عليه السلام لما طال به بلاؤه، رفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: تَعْلَمُ وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ العالمين. قال له صاحبه: وما ذاك؟ قَالَ مُنْذُ ثَمَانَي عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ فَيَكْشِفُ مَا بِهِ. فَلَمَّا بلغه كلامهما أهمه وأحزنه،

فلجأ إلى ربه متضرعا مظهرا حاجته وفاقته متوسلا إليه بأسمائه وصفاته ( وَأَيّوبَ إِذ نادىٰ رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرّٰحِمينَ ) فجاءت الإجابة في الحال ( فَاستَجَبنا لَهُ فَكَشَفنا ما بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَءاتَينٰهُ أَهلَهُ وَمِثلَهُم مَعَهُم رَحمَةً مِن عِندِنا وَذِكرىٰ لِلعٰبِدينَ )

 

وَكَانَ عليه السلام يَخْرُجُ إِلَى حَاجَتِهِ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأَ عَلَيْهَا فَأَوْحَى اللَّهُ إليه: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} فَاسْتَبْطَأَتْهُ فَبَلَغَتْهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهبَ اللَّهُ مَا بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ فَهُوَ أَحْسَنُ مَا كَانَ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: أَيْ بَارِكَ اللَّهُ فِيكَ هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا الْمُبْتَلَى؟ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا قَالَ: فإني أنا هو.

وَقَوله تعالى: " اركض برجلك " أَيِ اضْرِبِ الْأَرْضَ بِرِجْلِكَ، فَلما ضربها أَنْبَعَ اللَّهُ لَهُ عَيْنًا بَارِدَةَ الْمَاءِ، وَأُمِرَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهَا وَيَشْرَبَ مِنْهَا، فَأَذْهَبَ الله عَنهُ مَا كَانَ يجده مِنَ الْأَلَمِ وَالْمَرَضِ الَّذِي كَانَ فِي جَسَدِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَأَبْدَلَهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ صِحَّةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وَجَمَالًا تَامًّا وَمَالًا كَثِيرًا ; وَأَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ أَهْلَهُ،

كَمَا قَالَ تَعَالَى: " وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم " فَقِيلَ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ بِأَعْيَانِهِمْ، وَقِيلَ آجَرَهُ فِيمَنْ سَلَفَ، وَعَوَّضَهُ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا بَدَلَهُمْ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ بِكُلِّهِمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.

 

قال تعالى: (رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) أَيْ تَذْكِرَةً لِمَنِ ابْتُلِيَ فِي جَسَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ، فَلَهُ أُسْوَةٌ بِنَبِيِّ اللَّهِ أَيُّوبَ عليه السلام; حَيْثُ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ حَتَّى فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ.

فاللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين

واقض الدين عن المدينين واشف مرضى المسلمين

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله . .  

عباد الله اتقوا الله واصبروا  واعتبروا بما في قصة أيوب عليه السلام من الدروس العظيمة : ومنها 

أنه مهما قدّر للعبد من تقدير، فإن الخير كلَّه فيه، وأنه -سبحانه- أرحم الراحمين، وهو لطيف بعباده، ولم يُنْزِل البلاء ليعذبَ عباده، وإنما ليختبرهم فمَن صبَر غنِمَ، ومَن جَزِعَ خسِر.

ومنها : إن أقدار الله نافذةٌ على جميع البشر، على اختلاف منازلهم -من أنبياءَ، وصالحين وأئمةٍ ومصلحين قال -صلى الله عليه وسلم-: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل"(رواه مسلم)،

ومنها : إن صفوة عباد الله وهم أنبياؤه وأتباعهم قلوبهم معلقة بالله وحده دعاءً ورجاءً وتوكلاً وإنابةً

فإنهم يفزعون إلى الله في جميع أحوالهم

ومنها أن المصائب مهما عظمت، والشدائد مهما صعبت، إلا أن مصيبةَ الدِّين أكبرُ المصائب، فاصبِر وصابِر فعاقبة الصبر عظيمةٌ، وثوابُها جزيلٌ،

قال -سبحانه-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)

 

والله نسأل أن يجعلنا من الصابرين عند البلاء، والشاكرين عند النعماء، وأن يتم علينا نعمته، وأن يرزقنا العفو والعافية والمعافاةَ الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

اللهم اهدنا الصراط المستقيم اللهم اعز الاسلام والمسلمين

 اللهم أصلح ولاة أمرنا وولاة أمور المسلمين في كل مكان

اللهم اصلح احوالنا واحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا

 

‏اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين