خطورة الرشوة

خطبة : خطورة الرشوة 1444/10/29

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،

ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا 

من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،

(يٰأَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذى خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذى تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا)

أما بعد:، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

عباد الله من الجرائم الخطيرة جريمةُ تهدد كيان المجتمعات، وتزرع فيه المحن والخلافات، تنشر الفساد في البلاد، والظلمَ بين العباد، يتخفى بها المجرمون، ويتسترُ بها المفسدون، إنها يا عباد الله، جريمة الرشوة، التي ما انتشرت في مجتمع إلا انهد بنيانه، وتقوضت أركانه، وعمته الفوضى، والشحناء والبغضاء، فبالرشوة مُنع أصحاب الحقوق حقوقهم، وأُعطي الحق لمن لا يستحقه، وأُكل المال بالباطل، وخُوِّن الأمين، وقرب الفاجر.

والرشوة يا عباد الله .. هي ما يُدفع لمن تولى أمراً من أمور المسلمين، ليُستباح بها الحرام، من إبطال حق، أو إحقاق باطل، كمن يدفع مالاً للقاضي ليحكم له بالباطل، أو يُعطي الموظف، ليتوصل بالرشوة إلى ما لا يحل له، وسواء في ذلك، أكانت الرشوة مالاً، أم هديةً، أم دعوةً خاصة لطعام، أم قضاءً لحاجة، أم قرضاً، أم غير ذلك مما يُقدَّم، كل ذلك يعد من الرشوة،

 والرشوة محرمة بإجماع العلماء، دل على تحريمها أدلة كثيرة، منها قوله تعلى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾، وعن ثوبان رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش» رواه أحمد، فهذا الحديث يدل على أن الرشوة من كبائر الذنوب، لأن اللعن لا يكون إلا في ذنب عظيم، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى،

والراشي: هو الذي يعطي الرشوة، والمرتشي: هو الذي يأخذها، والرائش: هو الوسيط بينهما، الذي يأخذ الرشوة من الراشي ويعطيها المرتشي، فهو معين لهما على الإثم فشمله اللعن والعياذ بالله.

أيها المسلمين .. من صور الرشوة في المجتمع، إهداء من تولى عملاً من الأعمال، كالأمير والقاضي والوزير وغيرهم، من سائر الموظفين في الدولة أو الشركات أو المؤسسات، فيُهدَى أحدُهم لأجل وظيفته، فهذه الهديةُ حرام عليه؛ لما روى حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هدايا العمال غلول» رواه أحمد، والغلول هو الخيانة في المال، ولأن الموظف يأخذ أجراً على عمله، فوجب عليه القيام به، وحرم عليه أن يعتاض عن عمله بالرشوة، ولأن الغالب في مثل هذه الهدية، قصد المهدي قضاءَ حاجته ولو في المستقبل، ولم يُرد بهذه الهدية ثواب الله تعالى، فكانت هذه الهدية كالرشوة في تحريمها،

عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني أسد يقال له ابن اللتبية على صدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي إليَّ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لك، وهذا أهدي لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ..» متفق عليه،

ومن صور الرشوة في المجتمع، الرشوة للحصول على وظيفة أو مقعد للدراسة، فيقدم دافع الرشوة على غيره، ولو كان ليس أهلاً لذلك، أو في المتقدمين من هو أولى منه، وهذا الأمر لا يرضاه على نفسه وقد قال  صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ..

أما بعد فاتقوا الله أيها المسلمون، واعلموا أن الواجب على كل موظف أن يقوم بعمله خير قيام، وأن يسعى في قضاء حوائج الناس، وأن يكون نزيهاً في عمله، لا يقبل عليه رشوة ولا هدية لأجل وظيفته، وأن يعلم أن تورعه عن الحرام، يُكسبه الذكر الحسن، والسمعة الطيبة، والدعوة الصالحة من الناس، مع ما يُدخر له في الآخرة من الثواب الجزيل، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ ومن زلت به القدم فأخذ شيئاً من الرشوة، أو الهدية التي لا تحل له، فليبادر بالتوبة إلى الله تعالى من ذنبه، وليطهر ماله من الرشوة التي أخذها، والواجب مناصحة المرتشين وتذكيرهم عذاب الله ونقمته، وإنكار فعلهم،

فاللهم اهدنا الصراط المستقيم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ‏وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

اللهم ‏يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء

والربا والزنا والزلازل والمحن

ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين

اللهم أصلح ولاة أمرنا وولاة أمور المسلمين في كل مكان

اللهم اصلح احوالنا واحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا

اللهم احقن دماء المسلمين

وانج ‏المستضعفين من المؤمنين في كل مكان

ومكن لأهل التوحيد والسنة في كل مكان

‏اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين