يا اهل السودان

إن الحمد لله،نحمده ونستعينه ونستغفره، 
ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا  
من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، 
(يٰأَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذى خَلَقَكُم مِن نَفسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذى تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا)
أما بعد:، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ إمام السير: مَرَّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ، وَكَانَ شَيْخًا من اليهود، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الضَّغَنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ، عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ، يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، لَا وَاَللَّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَوا بِهَا مِنْ قَرَارٍ، فَأَمَرَ فَتًى مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: اعْمِدْ إلَيْهِمْ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمَّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ، وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَان فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ لِلْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ.
 
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفَعَلَ. فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيَّيْنِ عَلَى الرُّكْبِ، فقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعَةً، فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا، مَوْعِدُكُمْ الْحرَّةُ، السِّلَاحَ السِّلَاحَ.
 
فَخَرَجُوا إلَيْهَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهَ اللَّهَ، أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ،

 فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرِّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، قَدْ أَطْفَأَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَيْدَ عَدُوِّ اللَّهِ شَاسِ بْنِ قَيِّسْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، وَمن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)

عباد الله ولايزال أعداء الدين من اليهود والنصارى والمنافقين ومن تبعهم من الرافضة والخوارج وغيرهم من أهل البدع يريدُون تفريقَ صفِ المسلمين، وبثَ القلاقل والنزاعات والاقتتال في بلاد الإسلام. (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)
يُشيعون الفتنةَ ثم يُلْبسونها لبوسَ الرحمةِ والشفقةِ على المستضعفين، (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ)

والواجب على المسلمين في كل مكان  الاجتماع  على كلمة التوحيد والاعتصام بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمة  ونبذ الخلاف والفرقة والتناحر (وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعًا وَلا تَفَرَّقوا ۚ وَاذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعداءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوٰنًا وَكُنتُم عَلىٰ شَفا حُفرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنقَذَكُم مِنها ۗ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُم ءايٰتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدونَ)

اقول ما تسمعون ‏واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية : 
الحمدلله ولي المتقين 
‏أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين 

عباد الله : يعظم أجر الصدقة عندما تشتد الحاجة، وتعظُم الكربة، وتعلمون ما حل بإخواننا المسلمين في السودان، والذين تمر بلادهم بفتنة شعواء، نتج عنها سفك الدماء بغير حق، وانتشار الفوضى، وحصول الدمار للبلاد، ووقوع الشدة والبلاء على العباد،
وقد وجه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده - أيدهما الله تعالى – بقيام المملكة بالمساهمة في تخفيف آثار هذه الفتنة بتقديم مساعدات متنوعة للشعب السوداني الشقيق، وتنظيم حملة شعبية عبر منصة (ساهم) للتبرع لإغاثة إخواننا، فحري بنا جميعا أن نبذل ما تجود به نفوسنا، كلٌ بما يستطيع وإن قلَّ، فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى،
وهذه المبادرة هي امتداد لمواقف المملكة المشرِّفة في رعاية المسلمين في العالم، وإغاثة المنكوبين، وتخفيف آلامهم.
فنسأل الله تعالى أن يجزي ولاة أمرنا خير الجزاء، وأن ينصر بهم دين الإسلام، 
 وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل بلاء وشر وفتنة.
كما نسأل الله عز وجل أن يرفع الفتنة عن إخواننا في السودان، وأن يعيد إلى بلادهم الأمن والأمان، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يكفيهم شرارهم، وأن يقيم في بلادهم راية التوحيد والسنة، وأن يقمع أهل الزيغ والضلال والفتنة، إن ربي على كل شيء قدير.

اللهم اعز الاسلام والمسلمين
‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين
‏اللهم احفظ علينا الأمن 
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء
والربا والزنا والزلازل والمحن 
وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين