الحياء

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
أما بعد:، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

عباد الله الإسلام دين المحامد والمكارم، جمع من الأخلاق أحسنها، ومن الأوصاف أعلاها، ما من خير إلا أمر به، وما من شر إلا حذَّر منه،
وقد جاء في شريعتنا الحث على ‏الأخلاق الفاضلة ومن أعظمها الحياء ذلك الخلق العظيم الذي  اتصف الله به 
ويحب من اتصف به

قال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ" (رواه أبو داود).
قال ابن القَيِّم -رحمه الله-: "حياء الرب -تعالى- من عبده لا تُدركه الأفهامُ ولا تكيِّفه العقولُ؛ فإنه حياء كَرَم وبِرّ وجُود وجلال،"

وبالحياء اتصف خيار الخلق، وأثنى الله على أهله؛ فالملائكة موصوفون به، قال عليه الصلاة والسلام في عثمان -رضي الله عنه-: "أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ؟" (رواه مسلم)،

وكذلك اتصف به  الرسل عليهم الصلاة والسلام
قال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا؛ -أي: من البكر في سترها- وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ" (متفق عليه).

والحياء جمال المرأة 
فابنة صاحب مدين جاءت تمشي وقد غمرها جلباب الحياء وسترت وجهها بيدها وثوبها، قال سبحانه: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ) [الْقَصَصِ: 25]، 

وعائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- بلغ بها الحياء أن تحتشم في حجرتها حياءً من عمر -رضي الله عنه- بعد دفنه، قالت -رضي الله عنها-: "كنتُ أدخل بيتي الذي دُفِنَ فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي، فأضع ثوبي فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفِنَ عمرُ معهما فوالله ما دخلتُ إلا وأنا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر" (رواه أحمد).

وامرأة صبرت على البلاء ولم ترضَ بنزع الحياء، فكان لها الجنة، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- لعطاء بن أبي رباح -رحمه الله-: "أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكَ، فَقَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا" (متفق عليه).

بالحياء نَيْلُ السعادةِ وإدراكُ أسبابها وهو خير كله، قال عليه الصلاة والسلام: "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ، أو قال: الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ" (رواه مسلم)، وعاقبة صاحبه إلى خير، ولا يلحقه ندم فيه البتةَ، قال عليه الصلاة والسلام: "الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ" (رواه مسلم)، قال ابن القيم -رحمه الله-: "الحياء مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب الخير أجمعه".

ورأس الحياء ما كان حياء من الله؛ لئلا يراك حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك؛ فالله أحق أن يُستحيا منه، قال عليه الصلاة والسلام: "اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ" (رواه الترمذي)،

 وإذا علم العبد بنظر الله -سبحانه- إليه وأنه بِمَرْأًى منه ومسمع وكان حييا استحيا أن يتعرض لمساخطه،

والحياء من الناس باعث على الفضائل والمكارم

فاللهم أكرمنا بالأخلاق الكريمة 
أقول ما تسمعون واستغفر
 الله لي ولكم و لسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين  
وأشهد ان لا إله إلا الله ولي المتقين وأشهد ان محمدا عبده ورسوله الهادي الأمين

عباد الله مَنْ سُلِبَ الحياءَ، لم يبقَ له ما يمنَعُه من ارتكابِ القبيح والأخلاق الدنيئة، وصار كأنه لا إيمانَ له، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ مما أدركَ الناس من كلامِ النبوة الأولى: إذا لم تستَحِ فاصنعْ ما شئتَ" [رواه البخاري].

فمن فقد الحياء تجده 
لا يتورعُ عن الحرام، ولا يخافُ من الآثام، ولا يكُفُّ لسانَهُ عن قبيحِ الكلام، ولهذا لمَّا قَلَّ الحياءُ في هذا الزمان أو انعدمَ عند بعضِ الناس، كَثُرت المنكراتُ وظَهَرَتِ العوراتُ، وجاهَرُوا بالفضائح، واستحسنوا القبائحَ، وقَلَّت الغَيْرةُ على المحارمِ أو انعدمت عند كثيرٍ من الناس، بل صارت القبائحُ والرذائل عند بعض الناس فضائلَ، وافتخروا بها.
ألم تروا إلى حال كثير من المشاهير وغيرهم اليوم في وسائل التواصل كيف نزع منهم الحياء وكيف يتابعهم الملايين مع أنهم قد نزعوا الحياء وجاهروا بالمعاصي والآثام 
فإنا لله وإنا إليه راجعون 

اللهم اصلح احوالنا واحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا 

اللهم اعز الاسلام والمسلمين
‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين
‏اللهم احفظ علينا الأمن 

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء
والربا والزنا والزلازل والمحن 
ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين 

(ارفع يديك )
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا 

‏اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين