الزلزال
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
أما بعد، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة
لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد..
الله أكبر ! كم من النعم التي انعم الله بها علينا ونحن عنها غافلون ؟!
يا عباد الله إن مِن نِعَمِ الله تعالى العظيمةِ ، نِعْمَةُ ثباتِ الأرض واستقرارها لتكونَ مِهادًا ومُستقرًّا للناس، ويتمكَّنَ الناسُ من السعي عليها في مآرِبهم، والجلوسِ لراحاتِهم، والنومِ لهدوئِهم، والتمكُّنِ من أعمالِهم. ولو كانت رَجْراجةً متمايلةً؛ لم يستطيعوا على ظَهْرِها قرارًا ولا هدوءًا، ولا ثبتَ لهم عليها بناء، ﴿أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
والله سبحانه يُري عباده آياتِه الدَّالَّةِ على ربوبيَّتِه، وعظيمِ قُدْرَتِه، وكمالِ تدبيرِه، واستحقاقِه للعبادةِ وحدَه سبحانه لا شريك له، وليعلموا أنه ليس للطبيعةِ في ذلك أمرٌ ولا قُدْرَة، وأن ما أصابنا من ذلك لم يكن ليُخْطِئَنا، وما أخطأنا لم يكن ليُصيبَنا. ومن هذه الآيات العظيمة الزلازلُ والبراكينُ، والكُسُوفُ والخُسُوفُ، والعواصِفُ والفَيضاناتُ وغيرها.
فيعرف البَشَرِ بذلك انهم وَلَوْ تَحَصَّنُوا بِحُصُونِهِمْ، وَاحْتَاطُوا لِكُلِّ حَدَثٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ، لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى شَيْئًا، وَأَمْرُ اللَّـهِ تَعَالَى يَنْزِلُ فِي لَمْحِ البَصَرِ، فَلَا يَرُدُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، فَيَنْتَهِي كُلُّ شَيْءٍ؛ تَذْهَبُ النِّعَمُ الَّتِي رَتَعَ النَّاسُ فِيهَا طَوِيلًا، وَيُصَابُونَ فِي أَعَزِّ مَا لَدَيْهِمْ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ وَمَالٍ، فَمَا أَضْعَفَ الْبَشَرَ! وَمَا أَقَلَّ حِيلَتَهُمْ! وَمَا أَعْجَزَهُمْ أَمَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ! وَإِنْ بَطِرَتْ بِهِمْ نِعْمَتُهُمْ، وَغَرَّتْهُمْ قُوَّتُهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْجَزُ مِنْ أَنْ يَمْنَعُوا قَدَرَهُ، أَوْ يُعَطِّلُوا أَمْرَهُ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
فتأمل !! زلزال لم يتجاوز الدقيقتين كيف تهدمت بسببه المباني واضطربت بسببه الأرض ومات بسببه المئات والألاف فاللهم ألطف بنا وبالمسلمين
و كثرة الزلازل من علامات الساعة قال عليه الصلاة والسلام: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ -وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ-».
والزلازِلُ لها أسبابٌ وحِكَمٌ، فإنَّ الله سبحانه هو الذي أجرى الآيات، وهو الذي رتَّب أسبابَها
فمِن الحِكْمَ في حدوث الزلازل أنَّها آياتٌ يخوِّفُ الله بها عبادَه، حتى يرِجُعوا إليه ويتوبوا، كما قال تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً﴾
قال قتادة: "ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْكُوفَةَ رَجَفَتْ عَلَى عَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَأَعْتِبُوهُ"؛ أي: اطْلُبوا منه أن يزيلَ عَتْبَه، بالرُّجوعِ عن الذُّنوب بالتوبة والاستغفار والإنابة.
ومن الحكم في الزلازل أنها قد تكون من الابتلاءاتِ التي يكفِّرُ الله تعالى بها السيِّئات ويرفعُ بها الدرجات، وقد يكون عقوبةً على الشرك والمعاصي، وقد يكونُ ابتلاءً لقومٍ وعقوبةً لآخَرين من نفس البَلَد.
كما قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾
وقال ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾
ومن الحكم بالزلازِل: ما يَصْطِفي الله بسبَبها من الشُّهداء؛ كما في الحديث: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الَهدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِ سَبِيلِ الله»
وينبغي عند حصولِ الزلازِل وغيرِها من الآيات العظيمة: التضرُّع إلى الله تعالى، والإنابة إليه، والإقلاع عن المعاصي، والمُبادَرة إلى التوبة، والاستِغفار، والإلحاحُ إليه بالدُّعاء، وسؤاله العافية والذِّكْر، والصَّدَقة، وغيرُها من الأسباب التي يُسْتَدَفَعُ بها العذابُ والنِّقَم.
كما قال صلى الله عليه وسلم عند الكسوف: «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره».
فاللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة لنا ولجميع المسلمين برحمتك يا ارحم الراحمين
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
وأشهد ان لا إله إلا الله ولي المتقين وأشهد ان محمدا عبده ورسوله الهادي الأمين
أما بعد، عباد الله زلازِل الدُّنيا آيةٌ من آياتِ الله تُذَكِّرُنا بيومِ القيامةِ وأهوالِ الآخرة، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾
فاتقوا الله عباد الله واستعدوا لذلك اليوم العظيم
عباد الله قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اَلْمُسْلِمُ أَخُو اَلْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِّمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اَللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمِنْ فَرَجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَجَ اَللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، وَمِنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرُهُ اَللَّهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ»
فالله الله بالدعاء لإخواننا المتضررين في الزلازل
واحتسبوا الأجر في اعانة اخوانكم بأموالكم لمن استطاع
وقد وجه ولاة أمرنا
وفقهم الله بالمساهمة في مساعدة الضحايا والمتضررين بحملة شعبية عبر منصة «ساهم» لمساعدة ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا،
فاللهم ألطف بالمسلمين المتضررين اللهم أغن فقيرهم، وأشبع جائعهم، ورد غائبهم، واشف مرضاهم، وارحم موتاهم، واجبر كسرهم، وعظم صبرهم، وضاعف أجرهم..
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء
والربا والزنا والزلازل والمحن
ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين
اللهم اصلح احوالنا واحوال المسلمين في كل مكان وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا
(ارفع يديك)
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين
الخطيب : مشعل حمد الشامري
الدولة : السعودية
المدينة : الرياض
اسم الجامع : شيخ الإسلام ابن تيمية
تاريخ الخطبة : 19-07-1444
تاريخ الإضافة : 20-07-1444
تصنيف الخطبة : الخطب
- سورة ق
- أيام التشريق
- خطبة عيد الأضحى 1446هـ
- التوحيد في الحج والتنبيه على لزوم الأنظمة في الحج
- فضل عشر ذي الحجة
- حكم الحج وفضائله
- أسباب المغفرة
- الطمأنينة والخشوع في الصلاة
- الإسراف
- أصحاب الأخدود
- وماذا بعد رمضان
- نعمة الإسلام والسنة (خطبة عيد الفطر 1446)
- آخر جمعة من رمضان
- فضل العشر الأواخر من رمضان
- تدبر القرآن
- أول رمضان
- استقبال رمضان
- بر الوالدين وصلة الأرحام
- من أهوال يوم القيامة
- فضل العمل والحث عليه والتحذير من التسول
- أحكام يوم الجمعة
- خلق الرحمة
- الرؤى والمنامات
- شهر رجب
- مخالفات تقع في الميراث
- أحكام متعلقة بالكفار (تهنئتهم بأعيادهم والتشبه بهم)
- الأمانة و النزاهة و المال العام
- قصة نوح عليه السلام (2)
- قصة نوح عليه السلام (1)
- خطر الزنا
- الامتحان الحقيقي
- الثلاثة من بني إسرائيل
- (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)
- حقوق كبار السن
- عامل الناس بما تحب أن يعاملك الله به
- بناء الأسرة ومسؤولية الوالدين
- نعمة التوحيد والأمن
- التحذير من الاحتفال بالمولد النبوي
- وصايا لقمان
- فضل صلاة الجماعة
- قصة مريم و امرأة عمران
- فضل طلب العلم (2)
- فضل طلب العلم (1)
- فضائل معاوية رضي الله عنه
- أمراض القلوب
- قصة موسى عليه السلام
- استغلال الاجازة ونجاح الحج
- أتاكم يوم عرفة
- فضل عشر ذي الحجة
- التوحيد في الحج
- حديث قدسي عظيم (يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي)
- حكم الحج وفضائله
- فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
- نعمة التوحيد والأمن
- قصة سبأ
- وماذا بعد رمضان
- خطبة عيد الفطر 1445 (نعمة الإسلام والسنة)
- خطبة آخر جمعة من رمضان
- الزكاة
- فضل العشر الأواخر من رمضان
- آخر رجل من أهل الجنة
- شهر رجب
- شهر شعبان
- آداب التنزه والرحلات.
- هم الرزق
- دروس وعبر من قصة ابوسفيان وهرقل
- فتح تستر و صلاة الفجر
- خطبة الاستسقاء
- قسوة القلب
- استقبال رمضان
- أول رمضان
- أحكام متعلقة بالكفار ( تهنئتهم باعيادهم والتشبه بهم )
- خطر الشائعات
- موقف الصديق بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام
- خطبة النزاهة والأمانة والمحافظة على المال العام
- وفاة النبي عليه الصلاة والسلام
- بر الوالدين
- هدي النبي عليه الصلاة والسلام مع الصغار
- الصدقة و فلسطين
- البلاء
- الموت
- حسن الظن بالله
- الإسراف
- نعمة الأمن - والتوحيد
- فضائل يوم الجمعة
- مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه (الجزء الثاني)
- مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه (الجزء الأول)
- فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
- فضل طلب العلم
- سلامة الصدر
- حر الصيف
- قصة موسى عليه السلام
- الغش والاحتكار
- الحياء
- الزلزال
- نعيم الجنة
- شهر رجب
- الغيبة والنميمة
- قصة قارون
- أضرار المخدرات
- تهنئة الكفار بأعيادهم
- آداب التنزه والرحلات
- النزاهة والمحافظة على المال العام
- سورة ق
- بر الوالدين
- خطورة الطلاق
- هل تعرف ربك؟
- الشمس
- إنه الفاروق رضي الله عنه
- التحذير من بدعة المولد
- الإيمان بالملائكة
- حفظ النفس
- نعمة الأمن
- فتنة الدجال
- فمن رضي فله الرضا
- حسن الظن بالله
- نعمة النوم
- النظافة
- أحكام زكاة الفطر والعيد
- أيام الصيف وشدة الحر
- التحذير من مخالفات نهاية العام
- أشراط الساعة (1)
- الرجولة و مظاهرها
- استغلال الإجازة
- شهر الله الحرام
- خطبة عيد الأضحى 1443هـ
- أشراط الساعة (2)
- يوم عرفة
- الدعاء
- فضل عشر ذي الحجة (2)
- محنة غزة
- فضل عشر ذي الحجة
- السفر للخارج
- قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه
- فضل طاب العلم
- سلامة الصدر
- الشباب بين الواقع والمأمول
- يا لها من موعظة (الموت)
- الفتاوى ومصطلحات حادثة
- صلاة الفجر
- استسقاء
- أإله مع الله
- الصدقة
- قسوة القلب
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- الموت
- تربية الأبناء
- خطبة عيد الفطر 1443هـ
- الحور بعد الكور
- التوبة
- العشر الأواخر
- عداوة الكفار
- زكاة الفطر وبعض أحكام العيد
- في استقبال رمضان
- الاتباع للشرع المطهر
- التوكل على الله
- عشر ذي الحجة
- العشر الأواخر
- الجمعة
- الغيرة على المحارم
- تأخر الأمطار
- المداومة على العمل الصالح