عيد الأضحى1422

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الأضحى

الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، الله أكبر …………

فإن الأمانة واجب عظيم أمر الله به ﴿ إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ إنها أول ما يفقد من الدين ، بها تصان حقوق الله ، وحقوق الناس ، و تحفظ بها الأعمال ، من التفريط والإهمال . امتدح الله أهلها ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ إنها فضيلة عظمى ، ومسئولية كبرى ، إنها حمل ثقيل عجزت عنه السموات والأرض والجبال ، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً . وإذا فقدت أمة الأمانة . فلن تجد إلا آفات جائحة ، ورزايا قاتلة ، وبلايا مهلكة ، وفقراً معوزاً ، وذلاً معجزاً . وإذا ضيعت الأمانة ، ووسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة .

أيها المسلمون : لئن كانت الأمانة عظيمة في قدرها ، فإنها واسعة في دلالاتها ، إنها داخلة في علاقة المرء بربه ، وعلاقته بالناس أجمعين .

إنها قيام بالمسؤولية « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته »

العبادة أمانة ، فهل أديناها حق الأداء ؟ هل أقيمت الصلاة ؟ هل أخرجت الزكاة ؟ هل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ؟ هل حج كل مستطيع ؟ هل اتقينا الله حق تقاته ؟ هل عملنا بمرضاته ؟ هل حفظنا الجوارح ؟ ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ هل قام كل مسؤول بالأمانة التي حمله الله إياها ، وإياك أن تظن أن المقصود غيرك ، أو أن المراد سواك ، فإياك أعني ، وأنت من أخاطب .

أيها المسلمون : إن علماء الشريعة ، وحراس الملة ، مؤتمنون في علمهم وتعليمهم ، يبينون للناس ما لا يسعهم جهله ، لا يكتمون العلم ، ولا يحجبون النصيحة : ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ﴾ .

أما ولاة أمور المسلمين فعليهم تفقد أحوال الرعية ، والعدل في القضية ،والحكم في الناس بالسوية ، على نور من الكتاب والسنة المحمدية ، قوامين لله بالقسط ، يعمرون البلاد ، ويأطرون على الحق العباد ، ولهم حق السمع والطاعة في غير معصية الله . هل قام الآباء بأمانة التربية للأبناء ؟ هل أمروهم بالصلاة ، هل أطروهم على الحق ، هل ألزموهم كريم الأخلاق ، ونبيل الطباع ، أم إنهم تركوهم فريسة لكل ناعق ، ودمية في يد كل فاسد ، القنوات تؤزهم ، والشياطين تجتالهم ، ورفاق السوء يتربصون بهم ، والهوى يسيرهم . وماذا قدمنا للنساء ، من زوجات وبنات ، هل عظمنا في نفوسهن الكتاب والسنة ، هل أمرناهن كما أمرهن الله بالحجاب ، هل بينا لهن فضائل الحشمة والحياء ، هل ألزمناهن كما أراد الله بالقرار في البيوت ، أم أنهن في الأسواق متروكات ، ولكل ذئب فريسات ، وعلى الهاتف عاكفات ، كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، أصباغ وفتحات ، قصات وعدسات ، وتشبه بالكافرات ، ناهيك عن البرقع واللثام ، ولا تغفل عن قلة الحياء ، ورفع الأصوات في الطرقات ، تمايل وضحكات ، أرقام ومعاكسات ، والله أعلم بالقادمات ، من الفتن والمدلهمات ، ويا من انبرى للتربية والتعليم ، اعلم أنك تحملت أمانة حماية العقول ، وصيانة الأفكار ، من كل شبهة ومن كيد الكفار ، ازرع في قلوب طلابك تعظيم الله ، والانقياد لشرع الله ، والاعتزاز بتطبيق السنة ، والسير على خطا سلف الأمة .

ويا معاشر الموظفين ، اتقوا الله في معاملات المسلمين ، وساووا بين المراجعين ، وإياكم و المعاملات المكتومة ، و الشفاعات غير المشروعة ، إياكم أن تأكلوا إلا حلالاً ، اتقوا الرشوة فقد لعن صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم

ويا من وسع الله عليه في الرزق ، فصار عندك الخدم والحشم والعمال ، فما شكرت نعمة الله ، ولا أديت فيها حق الله ، منعت الزكاة ، وماطلت الأجير ، فصار ديدنك المماطلة والتأخير . ويا من ضاقت عليك الدنيا ، واحتجت إلى وقفة أخيك ، فسألته قرضاً حسناً ، أو كفالة عند ذي يسار ، فما تردد ولا تأخر ، أليس من حقه عليك الوفاء ، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، أما تخشى من وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال « من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله »(خ) أما أصحاب الأقلام ، ورجال الإعلام ، فهم المؤتمنون على الكلمة الصادقة ، إنهم سفراؤها ، بهم تظهر الحقيقة إن شاءوا . بأقلامهم وألسنتهم تهدم عروش وتبنى ، وتنهار شعوب و تحيى ، وتنشر الفضائل أو تطمر . يقون الأمة - إذا صدقوا - من سفه الجاهلين ، وكيد الحاقدين ، وكذب الدعاية . لكن هم بعضهم إيقاظ الفتن ، يأتون بالتفسيرات الباهتة ، والنظريات الباطلة ، وينسجون الشبه ويؤججون نارها ، يسودون الصحائف ، ويفتنون ضعاف العقول . حتى سادت ثقافة أفسدت السلوك والأخلاق ، فلا دينا حفظت ، ولا دنيا أقامت . فليتق الله كل مسئول ، فكلكم راع وعن رعيته مسئول . اللهم إنا نعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة . أقول ما تسمعون

الخطبة الثانية:

فإن من آثار تضييع الأمانة ، ما تمر به أمة الإسلام ، من ذلة وهوان ، وما تلك التقلبات والأطوار ، إلا ليجري الله حكمته ، ليبلو ويمحص ، وليميز ويمحق : ﴿ وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين ءامنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين ءامنوا ويمحق الكافرين ﴾ .

أمة أصر الأعداء على تمزيقها ، ووضعوا الخطط لتفريقها ، وتداعوا لنهب حقوقها ، وقتل روح الدين والعزة فيها ، تسلطوا على الشعوب والديار ، مزقوا الأرض قطعاً ، وصيروا الأهل شيعاً ، ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾.

هجر ا لآلاف من المسلمين ، الغذاء عندهم غير موجود ، والعمل غير ميسور ، يعيشون بنفوس محطمة ، وآمال تائهة ، فقدوا الآباء والأمهات ، والأبناء والأزواج ، والقريب و العشير . تمد إليهم كسر من الخبز ، وقطع من الكساء ، وجرعات من الدواء ، ملطخة بكثير من المن . قد نال ذلك دولا مسلمة في الشيشان وكشمير وأفغانستان ، وإياك أن تنسى فلسطين الحبيبة ، وأرضها السليبة ، وقدسها الشريفة ، استولى اليهود وعبثوا ، واقتحموا وأحرقوا ، بل لقد داسوا المساجد والمقدسات ، وقتلوا الصائمين والعابدين والركع السجود . عدوان على الجميع غاشم ، وظلم عليهم جاثم ، أحرق الأرضين والقلوب ، فصار فيه الأخضر يبساً ، والأمل يأسا . أمة مستضعفة ، تلصق بها التهم وهي بريئة ، وينزل عليها العقاب وهي غير مجرمة . وتلصق بها الرزايا وهي بعيدة

لقد أصبح العدو يولول بلا مواربة ، ويصرخ بالعداء بغير دبلوماسية . لم تعد الأخبار ولا وسائل الإعلام ، تحمل إلا أنباء الإسلام ، والصراع مع المسلمين ، ولو غيروا بالمصطلحات عبثا ، وشوهوا الحقائق غبشاً . لم يعد للحياء عندهم مجالاً ، يقتلون ويدعون البراءة ، يشردون ويرمون غيرهم بالبهتان . فهل ترون أن ما أصابنا من غير أنفسنا ، ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ عباد الله : إن هذا هو يوم الحج الأكبر ، والموسم الأشهر ، جعله الله عيداً للمسلمين ، وشرع فيه ما شرع من شعائر الدين ،تقرباً لله وتعظيماً لأمره ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ فضحوا ، وكلوا من أضاحيكم وأهدوا وتصدقوا ، واعلموا أنه كلما كملت الأضحية في خلقتها ، وغلا ثمنها ، فهو أفضل ، وقد جمع الله لكم في هذا اليوم عيدين ، فمن صلى العيد سقط عنه وجوب الجمعة ، ولكن لا بد أن يصليها ظهراً ، ومن صلى العيد والجمعة فهو حسن . اللهم