بر الوالدين

إن الحمد لله…

وأشهد أن لا إله إلا الله...

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

أما بعد، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

عباد الله : قال ربكم جل وعلا: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾.

وقال سبحانه

﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.

وقوله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾ أي لا تُسمِعهُما قولاً سيئاً حتى ولا التأفف  الذي هو أدنى مراتب القول السيئ، ﴿ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾ أي ولا يصدرُ منك إليهما فعلٌ قبيح، ﴿ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾ أي لا تنفض يدك عليهما.

ولما نهاه عن القولِ القبيحِ والفعلِ القبيحِ، أمرَه بالقولِ الحسنِ والفعلِ الحسن، فقال: ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾ أي ليناً طيباً حسناً بتأدبٍ وتوقيرٍ وتعظيم، ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ أي تواضع لهما بفعلك، ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ أي في كبرِهما وعند وفاتِهما.

وسئل عليه الصلاة والسلام قيل: يا رسول الله! أي العملِ أفضل؟ قال: «الصلاةُ على وقتِها». قيل: ثم أيُ؟ قال: «برُ الوالدين». قيل: ثم أي؟ قال: «الجهادُ في سبيل الله»، فانظر كيف قدمَ برَ الوالدين على الجهادِ في سبيلِ الله الذي قد تذهبُ فيه نفسُه

وفي الصحيحين عن أبي بكرةَ الثقفيِ رضي الله عنه  عن النبي ﷺ أنه قال : «ألا أنبئكم بأكبرِ الكبائرِ -كررها ثلاثاً- قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقولُ الزور ألا وشهادةُ الزور».

فبرُهما من أهم الواجباتِ ومن أعظم الفرائض، وعقوقُهما من أقبحِ الكبائرِ والسيئات.

 فالواجبُ على كل مسلم و مسلمة برُ الوالدين والإحسانُ إليهما والرفقُ بهما والأدبُ معهما في القول والعمل، ومن ذلك أن ينفقَ عليهما إذا كانا فقيرين وهو يستطيعُ النفقة، ومن ذلك مخاطبتُهما بالتي هي أحسن بالكلامِ الطيبِ والأسلوبِ الحسنِ وخفضِ الصوتِ، وعدمُ رفعِ الصوتِ عليهما، ومن ذلك السمعُ والطاعةُ لهما في المعروف إذا أمراه بشيء لا يخالف شرعَ الله ومن ذلك عدمُ إظهارِ التضجرِ أو التأففِ أو الزعلِ عليهما

 وبِرُّ الوالدَين تمثله  الأنبياءُ والمُرسَلون وهرع إليه الصالِحون، يقول الله تعالى عن يحيى بن زكريا -عليهما السلام-: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ [مريم: 14].

والدعاءُ لهما أحياءً وأمواتًا دأبُ المؤمنين المتقين، يقول تعالى عن نوحٍ -عليه السلام-: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [نوح: 28].

عباد الله : رأى ابن عمر رضي الله عنهما- رجُلاً في المطاف يحمِلُ أمَّه على ظهرِه يطوفُ بها، فقال: يا ابنَ عُمر: أتُرانِي جزيتُها؟! قال:  "ولا بزَفرةٍ واحِدةٍ". رواه البخاري في الأدب المفرد.

 قال رجلٌ من الأنصار: يا رسول الله: هل بقِيَ من برِّ أبوَيَّ شيءٌ أبرُّهما بهِ بعد موتِهما؟! قال: «نعم، الصلاةُ عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهما من بعدِهما، وصِلةُ الرَّحِمِ التي لا تُوصَلُ إلا بهما، وإكرامُ صديقِهما».

وعن عبد الله بن دينارٍ، عن عبد الله بن عُمر -رضي الله عنهما- أن رجُلاً من الأعرابِ لقِيَه بطريقِ مكَّة، فسلَّم عليه عبدُ الله بنُ عُمر، وحملَه على حِمارٍ كان يركبُه، وأعطاهُ عِمامةً كانت على رأسِه. فقال ابنُ دينارٍ: فقلنا له: أصلَحَك الله، إنهم الأعرابُ وإنهم يرضَون باليسير. فقال عبدُ الله: إن أبا هذا كان وُدًّا لعُمر بن الخطاب، وإني سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن أبرَّ البرِّ: صِلةُ الولد أهلَ وُدِّ أبِيه». رواه مسلم.

وبرُّهما واجبٌ، والإحسانُ إليهما مُتعيِّن حتى لو كانا مشركين: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15].

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب انه هو الغفور الرحيم

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين، أما بعد

ألا فاتقوا الله -عباد الله- في برِّ الوالدَين.

 ألا فاتقوا الله -يا شباب الإسلام- في برِّ الوالدَين.

اللهَ اللهَ في البرِّ والصِّلَة والإحسان قبل فوات الأوان، والتوبةَ التوبةَ أيها المُقصِّرون في أداء الحقوق، الواقِعون في شيءٍ من العُقوق، قبل أن تقول نفسٌ: يا حسرتَى على ما فرَّطتُ في جنبِ الله، وعلى ما قصَّرتُ في حقِّ ابي وامي .

ولا تشغلنكم وسائل التواصل عن بر والديكم والإحسان إليهما بالأقوال والأفعال والأنس بهما وإدخال السرور عليهما

اللهم ارزُقنا برَّ آبائِنا وأمَّهاتِنا أمواتًا وأحياءً، اللهم ارحمهما كما ربَّونا صِغارًا، اللهم من كان منهم حيًّا فأطِل عُمرَه على عبادةٍ وعملٍ صالحٍ، ومن كان منهم ميتًا فاغفر له وارحمه واجعل قبره روضة من رياض الجنة

اللهم اعز الإسلام والمسلمين

‏وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين

‏اللهم احفظ علينا الأمن والإيمان

اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين

اللهم احفظنا واحفظ شبابنا ونساءنا من كيد الكائدين ومكر الماكرين وإفساد المفسدين

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء

والربا والزنا والزلازل والمحن

ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان ‏وردنا وإياهم إلى دينك ردا جميلا

(ارفع يديك )

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا 

اللَّهمَّ أنتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الغَنيُّ ونحنُ الفقراءُ أنزِلْ علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَ لَنا قُوَّةً وبلاغًا إلى حينٍ

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين

‏اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ‏ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وآخر دعواتنا الحمد لله رب العالمين