الشمس

إن الحمد لله…

وأشهد أن لا إله إلا الله …..

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾..

أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

عباد الله

من آيات الله العظيمة الدالة على عظمة الله وبديع خلقه

وكمال قدرته وربوبيته

واستحقاقه للعبادة وحده لاشريك له 

آية عظيمة في كبرها ونورها واضاءتها ومنافعها  انها الشمس وما فيها من عجائب خلق الله

قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾

جعلَها الله للكونِ ضياءً وهي في السماءِ سِراجٌ وهَّاج، تجرِي بلا صوتٍ مع كِبَر حجمِها بحسابٍ دقيقٍ في فلَكٍ واسِعٍ إلى أجلٍ مُسمَّى، ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.

سخَّرَها الله لعبادِه، فبطُلُوعِها وغرُوبِها قيامُ الليل والنهار، ولولا وجودُها لبَطَلَ أمرُ هذا العالَم، ففيها من الحِكَم والمصالِح ما يعجزُ الخلقُ عن الإحاطَةِ به،

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾.

ومع هذه العظَمة، فالله هو الذي يُسيِّرُها وهي تُسبِّحُ له، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾.

وكل يومٍ بعد غُروبِها تسجُدُ لله، قال - عليه الصلاة والسلام -: «يا أبا ذرٍّ! أتدرِي أين تغرُبُ الشمسُ؟»، قلتُ: الله ورسولُه أعلم، قال: «فإنها تذهبُ حتى تسجُدَ تحت العرشِ، فذلك قولُه تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾» (رواه البخاري).

عباد الله: لقد سخر الله هذه الشمس لخلقه ينتفعون بضوئها وشعاعها، بها تصلح أجسادهم، وتنمو زروعهم، وتطيب ثمارهم، ويصلح معاشهم، وفي ارتفاعها وانخفاضها؛ لتنوع فصول السنة بين شتاء وربيع وصيف وخريف رحمة بهم وفي ذلك حكمة من الله بالغة، ومصالح للخلق كبيرة،

ولقد من الله على عباده فلم يجعل الشمس عليهم مشرفة طول وقتهم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾.

ولولا  الغروب لازدادت حرارة الأرض بدوام شروق الشمس، واتصال طلوعها حتى يحترق كل ما عليها من حيوان ونبات: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾

أقول ما تسمعون …

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ...

عباد الله

وفي كسوف الشمس عبرة للمعتبرين، يخوف الله به عباده،

وَحِينَمَا حَدَثَ الْكُسُوفُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَوْمِ مَوْتِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَبَادَرَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَأَسْرَعَ إِلَى الْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ وَالِانْطِرَاحِ بَيْنَ يَدَيْ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، فَصَلَّى صَلَاةً عَظِيمَةً، وَخَطَبَ خُطْبَةً بَلِيغَةً، وَقَالَ فِيهَا: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا».

فَالْمُؤْمِنُ إِذَا رَأَى ذَلَكَ خَافَ مِنَ اللهِ وتاب  وَلَمْ يَأْمَنْ عَذَابَ اللهِ وَعُقُوبَتَهُ، فَصَلَّى وَدَعَا رَبَّهُ وَتَصَدَّقَ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ اللهَ يُرْسِلُ الْآيَاتِ تَخْوِيفًا وَتَذْكِيرًا، لَعَلَّهُمْ يُحْدِثُونَ تَوْبَةً، فَيَقُومُونَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوَامِرِ رَبِّهِمْ

وكثير من أهل هذا العصر تهاونوا بأمر الكسوف؛ فلم يقيموا له وزناً، ولم يحرك منهم ساكناً؛ وما ذاك إلا لضعف إيمانهم وجهلهم بما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام

وطلُوعُ الشمسِ من غير مجراها أمارةٌ على قُربِ الساعة وإذنٌ من الله بخَرابِ العالَم، قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا تقومُ الساعةُ حتى تطلُعَ الشمسُ من مغربِها، فإذا طلَعَت ورآها الناسُ آمَنُوا جميعًا، وذلك حين لا ينفعُ نفسًا إيمانُها» (متفق عليه).

ويوم القيامة تدنو الشمس إلى الخلق، قال المقدام بن الأسود رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل »، قال الراوي عن المقداد: فوالله ما أدري ما يعني بالميل؟ أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين. قال: « فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما » قال: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه. [رواه مسلم].

وفي ذلك اليوم العظيم تكور الشمس ويذهب نورها، وتجمع مع القمر، قال الله: ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾.

فاللهم ارزقنا الاستعداد لذلك اليوم بصالح العمل...

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

(اللهم أغثنا ...)