نعمة الأمن

إن الحمد لله…

وأشهد أن لا إله إلا الله...

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾

أما بعد، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

عباد الله اتقوا الله تعالى واعلموا أن الأمن نعمة من الله تعالى وحده لا شريك يمن بها على من يشاء من عباده. 

وهي من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإسلام قال الله تعالى ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.

وقال سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾.

قال تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًا فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمٍ فَكَأَنَّمَا ‌حِيزَتْ ‌لَهُ ‌الدُّنْيَا ‌بِحَذَافِيرِها» رواه الترمذي.

والأمن من أعظم الضرورات، فبالأمن تقام شعائر الإسلام، فتقام الصلوات جماعةً، والجُمَع والأعياد، وتُجبى الزكاةُ، ويُقام الحجُّ، وتُقام الحدودُ، وتُحفَظ الحقوقُ للكل، ويُكبَت العدوُّ، ويُكَفّ المفسدُ عن إفساده.

وبالأمن تجتمع الكلمة، وترتفع الفُرقةُ، وتتيسَّر الأرزاق والأمور، وبه تتم المصالح وتستقيم، وبفقده تضيع الحقوق ويحصل القلق والخوف ،و الفوضى ويتسلط الظلمة على الناس بالسلب والنهب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة.

وانظروا في حال من حولكم من البلدان ممن فقدوا الأمن، هل هنأوا بعيش، وهل طاب لهم طعام أو شراب، فكم من دماء قد سُفكت، وكم من أعراض قد انتهكت، وكم نساء قد رُمّلت، وكم من أطفال قد يُتمت، وكم من عوائل قد شُردت وهُجّرت.

فاللهم انج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان وردهم إلى أوطانهم سالمين غانمين. 

عباد الله إن ربكم قد أخبركم بالأسباب التي يتحقق بها الأمن، ومنها:

1- تحقيق التوحيد بتعظيم الله وإجلاله والتعلق به وحده لا شريك له قال تعالى ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، أي لم يخلطوا توحيدهم بشرك.

2- الإيمان والعمل الصالح وأداء فرائض الله تعالى من الصلاة والزكاة وبر الوالدين وغيرها قال تعالى : ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾.

3- كثرة الدعاء والإلحاح على الله بدوام الأمن ﴿وَإِذ قالَ ابراهيم رَبِّ اجعَل هٰذا بَلَدًا ءامِنًا﴾.

4- شكر هذه النعمة وغيرها من النعم بالقلب واللسان والعمل فلولا فضل الله علينا لما كنا في هذه النعمة، ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

5- تحكيم الشريعة والتحاكم إليها في جميع الأمور وإقامة الحدود والقصاص وردع الظالم ﴿وَأَنِ احكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِع أَهواءَهُم وَاحذَرهُم أَن يَفتِنوكَ عَن بَعضِ ما أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيكَ فَإِن تَوَلَّوا فَاعلَم أَنَّما يُريدُ اللَّهُ أَن يُصيبَهُم بِبَعضِ ذُنوبِهِم وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ النّاسِ لَفٰسِقونَ﴾.

6- الاجتماع على الحق والمنهج السليم وهو ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه وترك التحزب والافتراق ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.

7- ‏لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ففي حديث حذيفة في الفتن قال: قلت: يا رسول الله، فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»

بارك الله لي ولكم ....

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ....

يا عباد الله نحن في نعم عظيمة ومن أعظمها نعمة الأمن فاحمدوا الله عليها، واحذروا غاية الحذر من زوالها عنكم. 

فإن من أعظم أسباب زوال الأمن:

ترك التوحيد وظهور البدع وترك الصلوات وكفران النعم والمجاهرة بالمعاصي والتحزب والتفرق والخروج على ولاة أمور المسلمين وغير ذلك من أسباب الشر والفساد فاحذروا زوال هذه النعمة العظيمة.

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت ءامِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللَّهِ فَأَذٰقَهَا اللَّهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كانوا يَصنَعونَ﴾

فاللهم إنا نسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ اللهم إنا نسألُك العفوَ والعافيةَ في ديننا ودنيانا وأهلنا ومالنا، اللهم استرْ عوراتنا وآمنْ روعاتنا، اللهم احفظْنا مِن بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذُ بعظمتِك أن نغتالَ مِن تحتنا.

اللهم اعز الإسلام...