حسن الظن بالله

إن الحمد لله…

 
وأشهد أن لا إله إلا الله...
 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
 
أما بعد، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة
 
أيها المسلمون: التوحيد حق الله على عباده وبه بَعَث الله رُسله وأنزل كُتبه، وحقيقتُه إفراد الله بالعبادة، والعبادة اسم جامع لكل ما يُحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة منها والباطنة
 
وبصلاح القلب صلاحُ الجسدِ كلِّه قال عليه الصلاة والسلام: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» (متفق عليه).
 
ومن آكَد أعمال القلوب حسنُ الظنِّ بالله؛ فهو من فروض الإسلام وأحَد حقوق التوحيد وواجباته، ومعناه الجامعُ: كلُّ ظنٍّ يليق بكمالِ ذات اللهِ –سبحانه- وأسمائه وصفاته،
 
وهو فرع عن العلم به ومعرفته، ومبناه على العلم بسعة رحمة الله وعزته وإحسانه وقدرته وعلمه وحسن اختياره، فإذا تم العلم بذلك أثمر للعبد حسن الظن بربه ولابد، في هذه العبادة امتثال أمره وتحقيق عبوديته، وللعبد من ربه ما ظن به، قال عليه الصلاة والسلام: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي» (متفق عليه). قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه الله ظنه، ذلك بأن الخير في يده –سبحانه-".
 
وقد نال الرسل -عليهم السلام- المنزلةَ الرفيعةَ في معرفتهم بالله؛ فَفَوَّضُوا أمورَهم إليه حُسْنَ ظنٍّ منهم بربهم؛ فهذا يعقوب -عليه السلام- فَقَدَ ابنينِ له فصبر وفوض أمره لله وقال: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وبقي قلبه ممتلئا بحسن الظن بالله وأنه خير الحافظين وقال: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾
 
وأمر عليه السلام أبناءه بذلك وقال: ﴿يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾
 
فأرجع الله إليه ابنيه
 
واشتد الخَطْبُ بموسى -عليه السلام- ومن معه؛ فالبحر أمامهم وفرعون وجنده من ورائهم وحينها قال أصحاب موسى: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾، فكان الجواب من النبي الكليم شاهدا بعظيم ثقته بالله وحسن ظنه بالرب القدير، ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
 
فجاء الفرج من الله تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾.
 
وفي أشد الضيق وأحلكه كان  نبيُنا -صلى الله عليه وسلم- حسن الظن بربه، أُخرج من مكة وفي الطريق أوى إلى غار، فلحقه الكفار وإذا بهم حوله فيقول لصاحبه مثبتا إياه: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.
 
قال أبو بكر: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا في الغار: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ. فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» متفق عليه
 
فاللهم ارزقنا حسن الظن بك
 
بارك الله لي ولكم ….

 

 
الخطبة الثانية: 
 
الحمد لله …
 
عباد الله 
 
ومن أسباب قبول التوبة: حسن ظن صاحبها بربه، قال عليه الصلاة والسلام فيما يروي عن ربه: «أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك» (رواه مسلم).
 
والمَخرجُ عند الضيق والكروب والهموم حُسنُ الظن بالله، فالثلاثة الذين خُلِّفُوا لم يَكْشِف عنهم ما حل بهم من الكرب إلا حسن ظنهم بالله، قال سبحانه: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
 
ومن ضاق به عيشه فحسن ظنه بالله كان في سعة وفرج  وقضى الله عنه دينه قال الزبير بن العوام -رضي الله عنه- لابنه عبد الله: "يا بني إن عجزتَ عن شيء من دَيْنِي فَاسْتَعِنْ عليه مولاي، قال عبد الله: فوالله ما دريتُ ما أرد حتى قلتُ: يا أبتي مَنْ مولاك؟ قال: اللهُ، قال: فوالله ما وقعتُ في كربة من دَيْنه إلا قلتُ: يا مولى الزبير اقْضِ عنه دَيْنَهُ فيقضيه" (رواه البخاري).
 
أيها المسلمون: حقيقة الظنِّ الحَسَنِ بالله يظهر في حُسْن العمل، وإنما يكون نافعًا مع الإحسان، وأحسن الناس ظنًّا بربهم أطوعُهم له، وكلما حَسُنَ ظنُّ العبدِ بربه حَسُنَ عملُه، ومَن ساء منه الفعلُ ساءت ظنونُه، ومتى قارن حسن الظن فعل المعاصي كان آمنا من مكر الله، وحسن الظن إن حمل صاحبه على الطاعة فهو النافع، وإن نقص ذلك في القلب ظهرت على جوارحه المعاصي
 
فاللهم اجعلنا من أعظم الناس حسن ظن بك 
 
اللهم أعز الإسلام والمسلمين