وداع العام

 بسم الله الرحمن الرحيم

وداع العام

 الجمعة : 28/12/1421 (5)

إن الحمد لله

أيها الناس :

اتقوا الله وتبصروا في هذه الأيام والليالي ، فإنها مراحل تقطعونها إلى الدار الآخرة ، وكل يوم يمر بكم فإنما يباعدكم من الدنيا ويقربكم للآخرة ،

لقد وهن العظم ، وابيض الشعر ، ورحل الأقران ، ولم يبق إلا الرحيل ، عجيب حال الغافل ، يوقن بالموت ثم يتناساه ، ويتحقق من الضرر ثم يغشاه ، يخشى الناس والله أحق أن يخشاه ، يغتر بالصحة وينسى السقم ، ويفرح بالعافية ولا يتذكر الألم ، يزهو بالشباب ويغفل عن الهرم ، يهتم بالعلم ولا

 

يكترث بالعمل ، يحرص على العاجل ولا يقيم وزناً للآجل ، يطول عمره ويزداد ذنبه ، يبيض شعره ويسود قلبه ،

قلوب مريضة عز شفاؤها ، وعيون تكحلت بالحرام فقل بكاؤها ، وجوارح غرقت في الشهوات فحق عزاؤها ، ألم يأن لأهل الغفلة أن يدركوا حقيقة هذه الدار ، أما علموا أن حياتها عناء ، ونعيمها ابتلاء ، جديدها يبلى ، وملكها يفنى ، ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ

المحاسبة الصادقة هي ما أورثت عملاً ، فاستدرك ما فات بما بقي ، ولا تشتغل بالندم والتحسر من غير عمل ، فقدم التوبة ، وقاوم الشهوة ،قال الفضيل بن عياض لرجل : كم أتت عليك ؟ قال : ستون سنة ، قال : فأنت منذ ستون سنة تسير إلى ربك ؛ يوشك أن تبلغ ؟ فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون فقال

 

الفضيل : أتعرف تفسيره ؟ تقول : أنا لله عبد وأنا إليه راجع ، فمن علم أنه لله عبد ، وأنه إليه راجع ، فليعلم أنه موقوف ، ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسئول ، ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً ، فقال :الرجل فما الحيلة ؟ قال : يسيرة ، قال : وما هي ؟ قال : تحسن فيما بقي ، يغفر لك ما قد مضى ، فإنك إن أسأت فيما بقي ؛ أخذت بما مضى وبما بقي .

أيها الإخوة : إن الأيام مطايا ، والأنفاس معدودة ،والأيام محدودة ، فهل الأعمار إلا أعوام ، وهل الأعوام إلا أيام ، وهل الأيام إلا أنفاس ، والموت يأتي بغتة ، والربح جنات النعيم ، والخسارة نار الجحيم ، وأنت حسيب نفسك .

قرأ الحسن رحمه الله قوله تعالى ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ فقال : يا ابن آدم : بسطت لك صحيفتك ، ووكل بك ملكان ، أحدهما عن اليمين

والآخر عن الشمال ، فصاحب اليمين يكتب الحسنات ، وصاحب الشمال يكتب السيئات ، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر ، فإذا مت طويت صحيفتك ، وجعلت في عنقك ، فتخرج يوم القيامة ، فيقال لك ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبً﴾ ثم قال : عدل والله من جعلك حسيب نفسك .

أيها المسلمون :

إن هذا العام يطوي بساطه ، ويقوض خيامه ، ويشد رحاله ، عام كامل تصرمت أيامه ، وتفرقت أوصاله ، وقد حوى حكماً وعبراً ، وأحداثاً وعظات ، فقدنا فيه عالماً جليلاً ، كرس حياته ليربي جيلاً ، فلاإله إلاالله كم من مستقبل ليوم لا يستكمله ، وكم من مؤمل لغدٍ لايدركه ، ، كم شقي في هذا العام من أناس ، وكم سعد فيه من آخرين ، كم من طفل قد تيتم ، وكم من امرأة قد ترملت ، كم من صاحب عائلة فقد في طرفة عين أسرته ، ، كم من مريض قد تعافى ، وكم مرض من معافى ، أهل بيت يشيعون ميتهم ، وآخرين يزفون عروسهم ، دار تفرح بمولود ، وأخرى تحزن على مفقود ، كم شرد فيه شعب ، وكم انتهك فيه من عرض ، أيام تمر على أصحابها كالأعوام ، وأعوام تمر على أصحابها كالأيام ، فالدهر أيام الله ، يجري فيها بحكمته ما يشاء من الخلق والرزق ، والإحياء والإماتة ، والإعزاز والإذلال ، والخفض والرفع ، قدر ينفذ ، وآية تظهر، أمة تذهب وأخرى تأتي ، دولة تعلو وأخرى تهبط ، ليل يعقبه نهار ، ونهار يغشاه ليل . فسبحان الله ما أحكم تدبيره ، وما أجل صنعه وتقديره ، يعز من يشاء ويذل من يشاء ، يعطي من يشاء بفضله ، ويمنع من يشاء بعدله

، والله يحكم لا معقب لحكمه .

إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران في العمل

أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال : « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل » وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك .

وأخرج الترمذي وغيره وحسنه الألباني رحمه الله كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول « مالي وللدنيا ؟ ما أنا والدنيا ؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ، ثم راح وترها » ومن وصايا المسيح لأصحابه « اعبروها ، ولا تعمروها »

وروي عنه أنه قال « من ذا الذي يبني على موج البحر داراَ ، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً » اللهم ………

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المجتبى ، وعلى آله وخلفائه وزوجاته ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :

فيا أيها الناس :

إن في مرور الأيام ، وتعاقب الأعوام عظة وعبرة ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ﴾ يقلب العاقل صفحات التاريخ ، فيستلهم العبر ، ويعرف سنن الله .

أيها الإخوة : لقد تكاثرت نكبات الأمة ، وتوالت عليها الأحداث والغير ، وتفتقت فيها الجروح ، نفرح بشفاء جرح ، ثم نفاجأ بجريان جروح ، نفرح بصلح ، فيرد علينا بقبح ، أحداث يهون آخرها أولها .

فيا إخوتاه : ما أخبار الأقصى ؟ وما هي أحوال إخواننا في كشمير ، والمنكوبين في أندونيسيا ، والصابرين في الشيشان ، ناهيك عن الفلبين وأرتيريا وما فيها من الظلم والعدوان على المسلمبن

لا زالت مقدسات المسلمين في فلسطين تمتهن ، ودم الكرامة يهان ، في كشمير تسلط الهندوس ، وفي أندونيسيا استأسد النصارى ، وفي أفغانستان غلب حب الرئاسة مصالح الموحدين ، وفي الشيشان جراحات وجراحات تإن تحت وطأة الروس الظالمين .

. كل ذلك وغيره يدعو السلم للتأمل : ماالأسباب وكيف الخلاص ؟

ابتعدت الأمة عن هدي كتابها ، وعن سنة نبيها ، تأمل في عقائد كثير من المسلمين ؟ هل وافقت الكتاب والسنة ،على فهم سلف الأمة . فرق وجماعات

تظن أنها المخلصة لهذه الأمة ، وما علمت أنها من أكبر أسباب النكبات . ولاء لأعداء الله ، في صور شتى ، تبعية في الفكر والثقافة ، وتقليد مقيت ناتج من التأثر ببهرج العدو وإعلامه . وغير ذلك من المخالفات في العبادات والمعاملات .

إن القضية ليست غامضة ولا ملتوية ، وما هي بالمستعصية . إن إزالة أسباب الخذلان أهم وأولى من إزالة آثار العدوان ، والطغيان لا يوقفه إلا الإسلام ، وميل الميزان لا يعدله إلا القرآن ، الحل بين ، والحق واضح ، فهل يفيق الذين هم في سكرتهم يعمهون . لا بد من رد القضية إلى مسارها الصحيح ، إنه صراع عقائد مع أشد الناس عداوة للذين آمنوا ، وصراع عقيدة مع النصارى ، وصراع عقيدة مع الهندوس ، وصراع عقيدة مع البوذيين . هل تريدون رد العدوان ، هل تريدون اندحار الطغيان ، هل تريدون كسر شوكة الظالمين ، هل تريدون هزيمة الغاصبين .

إسمعوا إلى قول ربكم ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ

وقوله تعالى ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وقو له ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ

عودوا إلى كتاب الله ، عودوا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح

تكونوا أهلاً للنصر والتمكين ، ومحلاً للسيادة ، وتعود إليكم القيادة .

اللهم