شهر الله الحرام

إن الحمد لله…

واشهد أن لا إله إلا الله ....

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾

أما بعد: فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة

عباد الله ان مِنْ نِعمِ اللهِ -تعالى- على عبادِه أن يواليَ عليهم مواسمَ الخيراتِ؛ ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾

فما إنْ انْقضَى موسمُ الحجِّ المباركِ إلا وتَبِعَه شهرٌ كريمٌ, هو شهرُ اللهِ المحرَّمُ؛

فهو أولُ شهورِ السنّةِ الهجريةِ، وأحدُ الأشهرِ الحُرُمِ التي ذَكَرهَا اللهُ في كتابِه: ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّيْنُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾

عباد الله  الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِذَا تَأَكَّدَ تَحْرِيمُ الظُّلْمِ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: 36].

خَصَّ اللَّهُ -تَعَالَى- الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ بِالذِّكْرِ وَنَهَى عَنِ الظُّلْمِ فِيهَا؛ تَشْرِيفًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي كُلِّ الزَّمَانِ، وقد شَرَّف اللهُ -تعالى- هذا الشَّهرَ من بينِ سائرِ الشُّهورِ، فسُمِّي بشهرِ اللهِ المُحَرَّمِ، إضافةً إلى نفسِه تشريفًا له، وإشارةً إلى أنَّه حرَّمه بنفسِه، وليس لأحدٍ من الخلقِ تحليلُه.

وشَهْرَ اللَّهِ الْمُحَرَّمَ أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْهِجْرِيَّةِ أَوِ الْقَمَرِيَّةِ، وَتَمَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى هَذَا فِي عَهْدِ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَنَةَ (16 هـ)،

والتاريخ الهجري هو تاريخ المسلمين بإجماع الصحابة رضي الله عنهم في ذلك الوقت ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ» رواه أبو داود،

فحريٌ بالمسلمين أن يؤرخوا بهذا التاريخ الإسلامي ، وأن يتقيدوا بحسابهم بالأشهر القمرية, التي تبدأ بشهر الله المحرم, وتنتهي بشهر ذي الحجة,

فينبغي للمسلمين أن يعتزوا بهذا التأريخ الهجري, وأن يلتزموا به في تعاملاتهم, لأنه شعار للأمة المسلمة, ولارتباطه الوثيق بعباداتها, وقد كان التاريخ الميلادي موجوداً في زمان عمر رضي الله عنه، فلم يستعمله الصحابة رضي الله عنهم،

وإنما أرخوا بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم, لكن إن دعت الحاجة إلى التأريخ بالميلادي فلا بأس أن يؤرخ به بعد ذكر التاريخ الهجري

وشهر الله المحرم مِنْ أَفْضَلِ الْأَشْهُرِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ،

وَتَأْتِي أَفْضَلِيَّةُ الصِّيَامِ فِيهِ بَعْدَ فَضْلِ الصِّيَامِ فِي رَمَضَانَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ 1163)

بارك الله لي ولكم …

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ….

عباد الله كان نبيكم عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام يحذرون أشد التحذير من البدع والمحدثات لضررها العظيم لأنها تؤدي إلى هدم الدين والسنن

ومن تلك الأمور المحدثة في بداية العام الهجري، ما يفعله بعض الناس في بعض البلاد من الاحتفال برأس السنة الهجرية، ويجعلون أول يوم من العام عيد

وأيضا ما يفعله بعض الناس ويتواصون به ويتراسلون به عبر جوالاتهم وغيرها في نهاية العام الهجري وبدايته، وذلك بتخصيصه بعمل صالح، من صدقة أو صوم أو استغفار أو نحوه، أو يقول بعضهم: هذه آخر جمعة من هذا العام فاختموها بالتوبة النصوح،

أو يطلبون العفو والمسامحة في آخر يوم من العام

أو ادعاء أن صحيفة الأعمال  تطوى في آخر العام

أو يرون أن آخر جمعة في العام لها مزية خاصة

فهذا كله من البدع المحدثة؛

لأن العباداتِ مبناها على التوقيف، فما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعناه ، وإلا فهو من البدع ،

ولا يُعلم لتخصيص هذه العبادات بنهاية العام أو بدايته دليل معتبر من الشرع ، فكان سبيلها حينئذٍ الرد ، لقوله صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق عليه . أي أنه مردود على صاحبة غير مقبول ،

ولو كان في فعل هذه العبادات في  آخر العام الهجري أو بدايته خير ، لبادر إلى ذلك الصحابة رضي الله عنهم، فلما لم يفعلوا شيئاً من ذلك فيما نعلم دل على أنه من المحدثات.

والذي ينبغي للمسلم أن يعمر أوقاته بالطاعات سواء في أول العام أو أثنائه أو آخره ، ولا يخصصَ زماناً بعبادة إلا بدليل من الشرع ،

ولا ينبغي التهاون بأمر البدع وإن صغرت في أعين الناس، يقول حسان بن عطية رحمه الله تعالى: "ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله عنهم من سنتهم مثلها، ثم لا يعيُدها إليهم إلى يوم القيامة".

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ...