خطبة عيد الفطر 1443هـ

 

إن الحمدَ لله ….

 

أما بعدُ، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ

اللهُ أكبرُ …

عبادَ اللهِ: إنَّ أعظمَ نعمةٍ أنعمَ اللهُ بها علينا أن هدانا ربُّنا إلى الدينِ الحقِّ وهو دينُ  الإسلامِ الذي أكملَه سبحانَه وأتمَّ به نعمتَه علينا، وفضَّلنا  به على مَن سوانا  من العالمين، قال تعالى ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.

اللهُ أكبر …

عبادَ الله، اشكروا اللهَ على نعمِه وفضلِه، وافرحُوا بهذا العيدِ فرحًا تتقربونَ به إلى اللهِ، ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾.

فالمؤمنُ يفرحُ بإتمامِ العبادةِ، ويُسرُّ بإعانةِ اللهِ له على أدائها، ويتضرَّعُ إلى ربِّه في قبولِها

ألا وإنَّ من علامةِ قَبُولِ الحسنةِ الحسنةُ بعدَها، والمحافظةُ على الطاعةِ، والحذرُ من الرجوعِ للمعاصي والذنوبِ والإصرارِ عليها أو المجاهرةِ بها.

عبادَ الله .. نستقبلُ هذا العيدَ السعيدَ، ونحن نتقلَّبُ في نعمٍ منَ اللهِ متتاليةٍ، وآلاءَ متتابعةٍ، فنحنُ نعيشُ في أمنٍ وأمانٍ، وراحةٍ واطمئنانٍ، قد دفعَ اللهُ عنَّا الفِتنَ والمِحَنَ التي ابتُليَ بها غيرُنا ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾.

فالواجبُ تِجاهَ هذه النعمِ  أن يَشكُرَ العبدُ ربَّه بقلبِه باعتقادِ أنها فضلٌ من اللهِ وحدَه وبلسانِه بتعدادِ نعمِه والتحدُّثِ بها، وأن يُسخِّرَ جوارحَه وما أنعمَ اللهُ به عليهِ في طاعتِه، ولا يَعصي الله بنعَمِهِ؛ فإنه بالشكرِ تدومُ النِّعمُ، وبكفرِها تَحُلُّ الآفاتُ والنِّقمُ.

الله أكبر …

عبادَ الله، إن دينَ الإسلامِ العظيمِ القويمِ جعلَه اللهُ خاتمةَ وخلاصةَ الأديانِ السماويةِ السابقةِ، قد اشتملَ على خيرِ وأحسنِ ما فيها، وضمَّنَه ربُّنا تبارَك وتعالَى تشريعاتٍ وأحكامًا عظيمةً صالحةً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ.

فما من خيرٍ وصلاحٍ إلا أمرَ به وحثَّ عليهِ، ومَا من شرٍّ وفسادٍ إلا نهَى عنه وحذَّر منه

1- فأمرَ اللهُ في هذا الدينِ العظيمِ  بتوحيدِه وإخلاصِ العبادةِ له؛ فإنها حقٌّ للهِ وحدَه؛ لأنه هو الخالقُ المالكُ المدبرُ للكونِ العظيمِ، الأحدُ الصمدُ  ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾.

ونهى عن الشركِ والكفرِ والنفاقِ و حذرَ منه؛ فإنه الذنبُ الأكبرُ الذي لا يغفرُه الله لمنْ ماتَ عليه ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾.

اللهُ أكبر …

2- وأمرَ بالإيمانِ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخرِ والإيمانِ بالقدرِ خيرِه وشرِّه؛ فإنها أركانُ الإيمانِ وأصولُه ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾.

3- وجعلَ من كمالِ الإيمانِ مَحبةَ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ أشدَّ من محبةِ الإنسانِ لنفسِه وولدِه ووالِده

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ».

وأمرَ باتباعِ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ وبيَّنَ أنه أعظمُ سببٍ لمحبةِ اللهِ لعبدِه ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾.

اللهُ أكبرُ …

4- وجعلَ منَ الإيمانِ محبةَ أصحابِ رسولِ اللهِ عليه الصلاةُ والسلامُ وآلِ بيتِه، والترضِّي عنهم، واعتقادَ فضلِهم، واتباعَ سبيلِهم ومنهجِهم

﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾.

ونهَى عنِ البدِع والمُحدَثاتِ والتَّحزُّباتِ «كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ».

اللهُ أكبر …

5- وأمرَ بالتقربِ إلى الله بالعباداتِ العظيمةِ التي تُصلِحُ القلوبَ وتُزكِّيها وتُعلِّقُ القلوبَ بالله عز وجلَّ  وتُذهبُ الشحَّ والبخلَ وتُشعرُ بحال الفقراءِ والمُعْوَزِينَ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».

6- وأمرَ بالاجتماعِ على الحقِّ، ونهَى عن التفرقِ والاختلافِ.

 وأمرَ بطاعةِ وُلاةِ الأمرِ في غيرِ معصيةِ اللهِ، وعدَمِ الخروجِ عليهم؛ حفظًا للأمنِ وقوةً للمسلمينَ، وسدًّا لبابِ الشُّرورِ والفِتنِ.

"علَى المرءِ المُسلمِ السمعَ والطاعةَ فيمَا أَحَبَّ وكَرِهَ ما لمْ يُؤمَرْ بمعصيةٍ".

7- وأمرَ ببرِّ الوالدينِ والإحسانِ إليهما غايةَ الإحسانِ وبصِلةِ الأرحامِ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾.

اللهُ أكبر …

8- ‏وحرمَ كلَّ جريمةٍ ‏فيها اعتداءٌ على ‏الدينِ والنفسِ والعِرضِ والمالِ والعقلِ؛

فحرَّم الرِّدةَ، والقتلَ، والزِّنا، واللِّواطَ، والسِّحاقَ ‏والقذفَ، والسَّرقةَ، وأَكلَ الرِّبا، ‏وأَكلَ مالِ اليتيمِ، والغِشَّ، والغَصْبَ، والخَمرَ، والمُخدِّراتِ.

في الصحيحينِ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: «اجْتنبُوا السَّبعَ المُوبقاتِ» -يعني: المُهلكاتِ- قُلنا: وما هُنَّ يا رسولَ اللهِ؟

قالَ: «الشِّركُ باللهِ، والسحرُ، وقتلُ النفسِ التي حرَّم اللهَ إلا بالحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيمِ».

9- وجعلَ المسلمَ الكامِلَ وهو المؤمنَ مَنْ سلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه، وحثَّ  على إفْشَاءِ السلامِ، وإطْعامِ الطَّعامِ، ‏وكفالةِ اليتيمِ، والسَّعيِ على الأرْملةِ والمسكينِ.

في الحديثِ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» أيُّ الإسلامِ أفضلُ؟ قالَ: «تُطعمَ الطعامَ، وتَقرأَ السلامَ على من عرفْتَ ومَن لَّمْ تعرفْ»..

‏باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ….

ومن محاسنِ هذا الدينِ العظيمِ

10- أن عظَّم شأنَ المرأةِ وأكرمَها إكرامًا لا يوجدُ له نظيرٌ في العالمِ، فجعلَ للمرأةِ حقوقًا عظيمةً، فيجبُ برُّها والإحسانُ إليها إذا كانت أمًّا، وتعظيمُ قدرِها إذا كانت أختًا، وتربيتُها ورعايتُها إذا كانت بنتًا، ومعاشرتُها بالمعروفِ والخُلُقِ الطيبِ والنفقةُ عليها إذا كانتْ زوجةً.

الله أكبر …

وجعلَ عليها واجباتٍ يجبُ القيامُ بها

فأوجبَ عليها البرَّ والإحسانَ لوالديها وطاعتَهما في غيرِ معصيةِ الله، وأوجبَ عليها طاعةَ زوجِها في المعروفِ، وعدَمَ الخروجِ من المنزلِ إلا بإذنِه وأن تُجيبَهُ إلى حاجتِه، وأوجبَ عليها تربيةَ أبنائِها التربيةَ الطيبةَ، وأوجبَ عليها الحجابَ الشرعيَّ الساترَ الكاملَ بغطاءِ الوجهِ؛ حفظًا وإكرامًا لها وطهارةً لقلبِها وقلوبِ الرجالِ ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

وحرمَ عليها الخلوةَ مع الرجالِ غيرِ المحارمِ، والاختلاطَ بهم الذي يؤدِّي إلى الفتنةِ؛ حفظًا وصيانةً واكرامًا وطهارةً لها..

اللهُ أكبر..

وبعد هذَا.... وبعدَ كلِّ هذهِ الأحكامِ العظيمةِ والشريعةِ الكاملةِ يأتي في هذا الزمانِ مَنْ يرغَبُ عن شريعةِ ربِّ العبادِ وحُكمِ ربِّ العالمينَ إلى شريعةِ العبادِ الضُّعفاءِ النَّاقصينَ : ﴿أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.

فاللهمَّ لكَ الحمدُ على نعمةِ الإسلامِ ‏

اللهم ثبتنا علَى الإسلامِ والسنةِ حتى نلقاكَ

اللهم تقبلْ صيامَنا وقيامَنا وسائرَ أعمالِنا

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ.