من قدوتنا
إنَّ الحمدلله....
أَمَّا بَعْدَ.. يَا عِبَادِ اللهِ.
مَنْ أفْضَلِ الْخَلْقِ وَأَحَبَّهُمْ إِلَى اللهِ؟؟
مَنَ الَّذِي أَمْرِنَا اللهَ بِالْاِقْتِدَاءِ بِهِ والتأسي بِهَدْيِهِ؟؟
مَنَ الَّذِي قَالِ اللهِ عَنْهُ ﴿وَإِنَّكَ لِعَلَّى خَلْقُ عَظِيمُ﴾؟؟
إِنْهَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدُ بْن عَبْدَاللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْثَهُ اللهَ مُبَشِّرًا وَنَذِيرَا، وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فَهَدَى اللهُ بِهِ مِنَ الضَّلَاَلَةِ، وَبَصَرٌ بِهِ مِنَ الْعَمَى، كَشْفَ اللهِ بِهِ عَنْ أهْلِ الْأرْضِ الشَّرَكَ وَالْكُفْرَانَ، وَأَنْقَذَهُمْ بِهِ مَنْ أَسْرِ الشَّيْطَانِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ الْوَاحِدِ الدَّيَّانَ.
فَهُوَ أَكْمَلُ النَّاسِ خُلُقًا، وَأَكْرَمَهُمْ سَجَايَا، قَامَ بِمَا أَمْرِهِ اللهَ بِهِ خَيْرَ قِيَامٍ، فَدَعَا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَعَرَّفَهُمِ الطَّرِيقَ الْمُوصِلَ إِلَى جَنَّتِهِ وَرِضْوَانِهُ، وَلَمْ يَدْع خَيْرًا إِلَّا وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، وَلَا شَرَّا إِلَّا وَحَذَّرَهُمْ مِنْهُ.
كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا بِشُكْرِ رَبِّهِ، مُنِيبًا إِلَيْهِ، كَثِيرَ التَّوْبَةِ وَالْاِسْتِغْفَارِ: «فَلَقَدَّ قَامَ يُصَلِّي حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ: يَا رَسُولِ اللهِ أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدُّمٍ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخُّرٍ ؟ فَقَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورَا» [الْبُخَارِيَّ].
وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ خَوْفًا مِنَ اللهِ: «فَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ ريحَا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةٌ: يَا رَسُولِ اللهِ النَّاسُ يُفْرِحُونَ رَجَاءَ الْمَطَرِ وَأَنْتَ تُعَرُّفُ الْكَرَاهِيَّةُ فِي وَجْهِكَ ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ وَمَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ قَدْ عُذَّبَ قَوْمٌ بِالرّيحِ» [الْبُخَارِيَّ].
وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أعْظَمُ النَّاسِ شَجَاعَةً، وَأَشَدَّهُمْ بَأسًا: «فَلَقَدَّ فَزِعَ أهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتُ لَيْلَةٍ، فَاِنْطَلَقَ النَّاسُ قَبْلَ الصَّوْتِ، فَتَلْقَاهُمِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَّقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَاِسْتَبْرَأَ الْخَبَرُ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةٍ عُرِّيٍّ فِي عُنْقِهِ السَّيْفَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَمْ تُرَاعُوا» [الْبُخَارِيَّ( 2875) مُسْلِمٌ].
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلِيمَا رَفيقَا: «أَدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَذْبُهُ جَذْبَا شَدِيدَا، وَكَانَ عَلَيْهِ بِرَدِّ غَلِيظِ الْحَاشِيَةِ، فَأَثَرْتُ حَاشِيَتَهُ فِي عَاتِقُ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ شِدَّةِ جَذْبِ الْأعْرَابِيِّ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَرٍّ لِي مَنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ ؟ فَاِلْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَحِكٌ، ثُمَّ أَمْرٌ لَهُ بِعَطَاءِ» [الْبُخَارِيَّ (2980) مُسْلِمَ].
وَخَدَّمَهُ أُنْسُ بْن مَالِكٍ- رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- عُشُرَ سِنَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَمَا قَالٍ لَهُ: أُفٍّ، قَطُّ، وَلَا قَالٌ لِشَيْءِ صَنْعِهِ: لَمْ صَنَعَتْهُ ؟ وَلَا لِشَيْءِ تَرْكِهِ: لَمْ تَرْكَتَهُ؟
وَمَا ضَرْبِ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، لَا اِمْرَأَةٌ وَلَا خَادِمَا، إِلَّا أَنَّ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نَيْلٍ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمُ مَنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنَّ يَنْتَهِكُ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ فَيَنْتَقِمُ لله.
وَكَانَ أَرَحِمَ الْخَلْقِ بِالْخَلْقِ، صَدَّقَ فِيهِ قَوْلَ اللهِ جَلِّ وَعُلَا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمَيْنِ﴾ وَمِنْ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَقَةُ قَلْبِهِ أَنَّ إحْدَى بُنَّاتِهِ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، إِنَّ اِبْنَِي قَدِ اِحْتَضِرْ فَاِشْهَدْنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السُّلَّامُ وَيَقُولُ: إِنَّ لله مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلَّ شَيْءِ عِنْدَهُ بِأَجَلِ مُسَمَّى، فَلَتَصْبُرُ وَلَتَحْتَسِبُ.
فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقَسِّمُ عَلِيُّهُ لِيَأْتِينَهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعِدَ بْن عِبَادَةٍ وَمَعَاذَ اِبْنِ جَبَلٍ وَأَبِي بْن كَعْبٍ وَزَيْدِ بْن ثَابِتٍ وَرُجَّالِ رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُمْ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيُّ، فَأَقْعَدَهُ فِي حَجَرِهِ وَنَفْسُهُ تُقَعْقِعُ – أَيَّ تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ- فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولِ اللهِ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةِ جُعَلِهَا اللهَ تَعَالَى فِي قَلُوبُ عِبَادِهِ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «فِي قَلُوبُ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يُرَحِّمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَهَذَا يَا عِبَادِ اللهِ نَزْرِ يَسِيرِ، وَقَطَرَةً مِنْ بَحْرِ فَضَائِلِ نَبِيِّنَا الْكَرِيمِ عَلَيْهِ أَفَضَّلَ صَلَاَةً وَأَزْكَى تَسْلِيمٌ، جُعَلَنَا اللهَ تَعَالَى مَنْ أَتِبَاعَهُ وَحَشْرَنَا فِي زُمْرَتِهِ، وَأَدْخَلَنَا فِي شَفَاعَتِهِ، وَسَقَانَا مِنْ حَوْضِهِ شُرْبَةً لَا نُظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحمدلله...
أما بَعْدَ.. بِا عِبَادَ اللهِ
لِمَاذَا نَجْدِ بَعْضِ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ الْيَوْمَ يَتَشَبَّهُونَ وَيَقْتَدُونَ بِالتَّافِهِينَ وَالتَّافِهَاتِ وَالْفَاسِقِينَ وَالْفَاسِقَاتِ
وَالْكَافِرِينَ وَالْكَافِرَاتِ؟؟
وَيَتْرَكُونَ الْاِقْتِدَاءَ بِخَيْرِ الْبَرِّيَّاتِ؟؟
غَالِبًا بِسَبَبِ أَمْرَيْنِ:
أَوَلًا: مُتَابَعَةُ هَؤُلَاءِ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ وَتَلْميعِهِمْ مِنْ قَبْلَ بَعْضِ وَسَائِلِ الْإعْلَاَمِ.
ثَانِيًا: الْبُعْدُ عَنْ سَيْرَةٍ أَفَضْلَ الْخَلْقِ وَعَدَمِ التَّعَرُّفِ عَلَيْهِ.
إِنَّ التَّعَرُّفَ عَلَى أخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَمَائِلَهُ مِمَّا يَزِيدُ فِي إيمَانِ الْعَبْدِ، وَتَصْدِيقَهُ بِنُبُوَّتِهِ، وَتَعْظِيمَ مَحَبَّتِهِ فِي الْقَلْبِ، وَتَقْديمَهَا عَلَى مَحَبَّةِ غَيْرَهُ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاَةُ وَالسُّلَّامُ «لَا يُؤَمِّنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أَكَوْنٌ أَحُبٌّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجَمْعَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
كَمَا يَدْعُوهُ ذَلِكَ إِلَى الْاِقْتِدَاءِ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاِقْتِفَاءَ أثَرِهِ فِي جَمِيلُ أَفَعَالُهُ، وَحَمِيدَ خِصَالِهِ، ﴿لِقَدٍّ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةِ حَسَنَةِ﴾.
اللَّهُمَّ أَلَزِمَنَا سَنَتُهُ وَوَفْقُنَا جَمِيعًا لِلْاِقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ
اللَّهُمَّ أعْزُ الإسلام
الخطيب : مشعل حمد الغراب
الدولة : السعودية
المدينة : الرياض
اسم الجامع : شيخ الإسلام ابن تيمية
تاريخ الخطبة : 17-02-1443
تاريخ الإضافة : 11-09-1443
تصنيف الخطبة : الخطب
- وفاة النبي عليه الصلاة والسلام
- خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1444 هـ
- فضل عشر ذي الحجة الجزء 2
- فضل عشر ذي الحجة
- حكم الحج وفضله
- قصة أيوب عليه السلام
- أسباب الثبات على الدين
- خطورة الرشوة
- يا اهل السودان
- ماذا بعد رمضان
- خطبة عيدالفطر المبارك لعام 1444
- اخر جمعة من رمضان
- كيف تصلح قلوبنا
- استقبال رمضان والصدقات
- فضائل أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن -
- الغش والاحتكار
- الحياء
- الزلزال
- نعيم الجنة
- شهر رجب
- الغيبة والنميمة
- قصة قارون
- أضرار المخدرات
- تهنئة الكفار بأعيادهم
- آداب التنزه والرحلات
- النزاهة والمحافظة على المال العام
- سورة ق
- بر الوالدين
- خطورة الطلاق
- هل تعرف ربك؟
- الشمس