الزكاة

إن الحمد لله ..

أما بعدُ، فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ

عباد الله . . إن من أعظم أركان الإسلام، ومبانيه العظام، عبادة عظيمة يحصل بها المحبة و التآلف بين المسلمين، وبها يذهب أهل الدثور بالأجور، والنعيم المقيم، فهي عبادة الأغنياء، وإعانة للمساكين والفقراء.

تلكم معاشر المسلمين، هي فريضة الزكاة، التي شرعها الله لعبادة طهرة وتزكية لهم، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، يقول سبحانه: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا رضي الله عنه إلى اليمن قال له: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة - يعني زكاة - تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم» متفق عليه. وأجمع المسلمون على وجوبها، واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعيها.

فمن أنكر وجوب الزكاة فهو كافر، لأن وجوبها معلوم من الدين بالضرورة، ومن ترك أداءها فقد عَرّض نفسه للوعيد الشديد الوارد

قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾.

يا عبدالله اعلم أن إيتاء الزكاة سبب لتطهيرك من الذنوب، وسبب لتنمية مالك  وزيادته. فإذا زكى الإنسان ماله فإن ذلك يقيه الآفات والمصائب، وهو سبب لنزول الخيرات، ودفع الشدة.

وفي الزكاة تقوية لأواصر المحبة بين الناس، فيعطف الغني على الفقير، ويتلمس حاجته، وتقل الجرائم في المجتمع، لأن الفقر الشديد مع ضعف الإيمان، قد يجر صاحبه إلى أخذ المال من غير حِلِّه.

وليعُلم يا عباد الله أن الزكاة يجب إخراجها إذا بلغت النصاب  أول ما يحول الحول سواء في رمضان أو غيره، إلا أن تكون زكاة زروع فيجب إخراجها يوم الحصاد لقوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾.

 والزكاة لا تسقط بالنسيان فمن نسي إخراج زكاة ماله لسنوات ماضية أو كان جاهلا أن هذا المال الذي لديه مما تجب فيه الزكاة، وجب عليه قضاء الزكاة عن السنوات الماضية، فيقدر زكاة كل سنة وجبت عليه فيها الزكاة، ثم يخرجها، إبراء لذمته، وأداء لحق الله عليه.

بارك الله لي ولكم ..

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله

أما بعد فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا ان قد انقضى من شهركم عدة أيام ذهبت سريعا وهكذا الأعمار، فمن كان محسنا فليحمد الله وليزدد من الخير فإن الأجور مضاعفة، ومن كان مسيئا أو مقصرا فليتب إلى الله وليتدارك ما بقي من هذا الشهر في الخيرات.

ثم اعلموا أن ما بأيديكم من الأموال لم تكتسبوها بذكائكم وجهدكم وقوتكم، بل هي محض فضل الله ونعمته عليكم، وإنما العبد يبذل الأسباب ويسعى في وجوه المكاسب، كما أمره الله، والرازق المعطي هو الله وحده، وكم من ذكي فطن لم يزل فقيرا طوال عمره، وكم ممن هو دونه ذكاء وفطنه، قد أوسع الله على من الرزق، وأغدق عليه من المال، وكل ذلك بعلم الله وحكمته، وهو العليم الحكيم.

فاعرفوا يا عباد الله ما أوجب الله عليكم في أموالكم، وأدوا الزكاة طيبة بها نفوسكم، وأكثروا من الصدقات ولاسيما في هذا  الشهر العظيم، محتسبين الأجر من الله، فإن الله يقول: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ . رواه البخاري (6) ومسلم (2308) .

عباد الله اجتهدوا في اعطاء الزكاة والصدقات لمستحقيها، وتفقدوا أقاربكم وأرحامكم ومن تعرفون من المحتاجين بأنفسكم، أو بتسليمها إلى الجهات الرسمية التي تشرف عليها الحكومة كمنصة فرجت وغيرها من الجهات الرسمية المعتمدة، فإن الزكاة شأنها كبير وأمرها عظيم.

فاللهم اجعلنا من عبادك الصالحين المصلحين القائمين بأمرك على الوجه الذي يرضيك..

اللهم اعز الإسلام والمسلمين